جريدة بكره احلى
كتبت دكتورة شذا نصار
الطرب …
الطرب حالة نشوة يصلها كل كائن حي ، بعد إحساس يخترق أعصابه ، ويسري في جسده ، فيمنحه شعوراً بالمتعة ، والارتياح …
كمن احتسى خمراً ، و انتشى لمخدر …. او خضع للمسات تدليك تدغدغ الحواس ، و تثير مشاعر الاطمئنان و الاستسلام .
عندما يبلغ الطرب من الانسان مكمناً ، يتجاوب معه بحركة ، أو تعبير شفة … ، بتمايل كالرقص ، و بآهات و كلمات …
فالنبات يطرب … و الحيوانات تطرب … وقمة الطرب عند ابن آدم … وأروعه عند الجمهور الحلبي … فهو مستمع متجاوب مع النغم ، خبير بالإيقاع ، … كريم بالاستحسان … واضح بالتعبير …
والطريب (السميع )يستسلم للمغني الذي يدخله في حالة الطرب ، ويتركه منتشياً فلا يخدش سمعه ، و لا يخدش أذنه بنشاز نغمة ، او بزعيق حنجرة …
في حلب … يستسلم الخبير ،للطرب الأصيل من صاحب الصوت القدير المتمكن من التلاعب بالنغمة و التراقص بالكلمة و بمخارج الألفاظ … فيطلق العنان لجسده بالتعبير الراقص ، ولآهاته بالصوت النابع من جوارحه .
ويعيش المنتشي حالة الطرب في عالم يحمله بعيداً عن الزمان و المكان ، فيحلق في صوفية فكرية طربية …تشهدها في حلقات الذكر … وفي جلسات الغناء الراقي الأصيل … و يسافر ممتطياً صهوة النغم ، متحركاً على ايقاع الأغنية ، منسجماً مع الكلمة … مع اللحن … ومع الصوت .
و للطرب عند الحلبي توقيت وزمان … يعيش الليل بطوله مستمعاً ، في أخذ ورد … يتناغم مع المطرب ، يستنهضه، فيهب للجواب …
الطرب يبلغ ذروته قبل انبثاق فجر النهار … حيث تهدأ المدينة … ويعم الهدوء ، والصمت يسيطر على المكان ،ويبقى صوت صباح يشق السكون مستفرداً آذان السامعين دون شائبة تعكر صفاءه … فينطلق صاعداً إلى قلعته دون استئذان … حاملاً معه أحلام جمهور انعتق من أغلال المدينة الصلبة ، و طار في سماء الخيال والإبداع …
هناك سيبقى الحجر الأشهب يطرب لصوت صباح كما الإنسان … و ستردد قلعته صدى أغانيه قداً و موشحاً على مدى الزمان …