كتب حسين عطايا – كاتب وناشط سياسي لبناني .
يوم امس السبت في الاول من تشرين الاول – اوكتوبر ، قامت السفيرة الامريكية في لبنان ” دورثي شيا “، بجولة على كل من رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري ، ورئيس حكومة تصريف الاعمال المستقيلة ، والرئيس المكلف نجيب ميقاتي ، والتقت كُلٍ منهم على حدا وسلمته نص البرقية التي وصلت للسفارة الامريكية من واشنطن وفيها النص الخطي الذي اعده الوسيط الامركي ” آموس هوكستين ” والذي قام بمفاوضات مكوكية مابين بيروت وتل ابيب وتوصل الى صياغة خطية وفقاً لمسار التفاوض الذي قام به وكل الملاحظات التي تقدم بها كل من الطرفين اللبناني والاسرائيلي ، والبرقية المتضمنة النص ووفقاَ للمعلومات تأتي في عشر صفحات تتضمن كل الملاحظات لطرفي النزاع والاحداثيات التي اصبحت في حالة شبه متوافق عليها من قِبل الطرفين ، وبذلك يكون اكمل مهمته واودع كل من الطرفين المتفاوضين الملاحظات والاحداثيات المتفق عليها تقريباً ويبقى لكل من الجانب اللبناني والاسرائيلي وضع الملاحظات النهائية لتصبح نسخة صالحة للتوقيع عليها وايداعها في الامم المتحدة لتصبح نافذةً بالاصل وهي وثيقة ترسيم الحدود البحرية بين دولة لبنان ودولة إسرائيل .
هنا لابد من توضيح بعض النقاط :
* هذه الاتفاقية هي بمثابة اعتراف ضمني لبناني بدولة إسرائيل التي تحتل فلسطين وتمارس كل الاعمال التعسفية والعدوانية بحق الشعب الفلسطيني من تهجيره من ارضه والاعتقالات المتواصلة عدا عن التمييز العنصري بين اليهود والفلسطينيين خصواً بعد إقرار الكنيست الاسرائيلي منذ فترة يهودية دولة إسرائيل فاصبح الفلسطينيين العرب مواطنين درجة ثانية ، وبالتالي هذا الامر يدحض نظرية حزب الله ومن خلفه من انظمة الممانعة بعدم اعترافه بإسرائيل والتطبيع معها .
* وصول الترسيم الى هذه الدرجة من التوافق هو نتيجة تسليم المفاوض اللبناني بالشروط الاسرائيلية ومن خلفها الولايات المتحدة نتيجةً لصفقة ما تمت على هامش مفاوضات جنيف ” وفقاً لبعض المصادر التي تتحدث عن صفقة امريكية إيرانية اتاحت لايران زيادة كميات تصدير النفط من ٤٠٠ الف برميل يومياً الى ما يوازي مليوني برميل نفط ايراني يومياً وذلك خدمة لمصالح الولايات المتحدة لزيادة المعروض من النفط في السوق العالمية للحد من ارتفاعات اسعار النفط ” ، وبالتالي انعكس ذلك على موافقة حزب الله على الترسيم وفقاً لما قام به المفاوض اللبناني الاساسي اللواء عباس ابراهيم وهو المقرب من حزب الله .
هذا الامر يؤكد بأن المفاوض اللبناني وبتنازله عن احداثيات الخط ٢٩ والذي هو الاكثر موضوعية من الخط ٢٣ الذي وافق عليه لبنان مما افقد لبنان ورقة قوة كبرى خصوصا في هذا الوقت الذي يُمثل الظرف الاكثر مناسبة للبنان ليفرض شروطه نتيجة ازمة الطاقة العالمية وحاجة اوروبا للنفط والغاز ، حين تنازل عن الخط ٢٩ والذي يُشكل مصدر قوة ويمنع إسرائيل من الاستثمار وحدها بحقل كاريش المؤكد وجود كميات كًبرى من الغاز الطبيعي وبالتالي كانت حصة لبنان هي الاكبر فيه ، فكان التنازل خدمة لمصلحة ايران الكًبرى سيدة حسن نصرالله وحزبه الالهي والذي يُشكل الذراع الايرانية الاكثر فعالية في المنطقة ، بذلك يكون لبنان اسقط من يده ورقة القوة ، لا بل تنازل عن حقوقه بمساحة تُعادل وتوازي ٢٤٥٠ كيلو متراً مربعاً من مياهه الاقليمية والاقتصادية .
* من خلال بعض التسريبات عما تضمنته الورقة الخطية لآموس هوكستين لم تتضح صيغة المنطقة الامنية الفاصلة والتي تقع في المياه الاقليمية اللبنانية ، ولكن وفقاً لما جاء في تلك الورلة بأن إحداثيات الخط الحدودي البحري لا تؤثر على ترسيم الحدود البرية خصوصاً فيما يتعلق بالنقطة B1 ورأس الناقورة التي لازالت تحت الاحتلال الصهيوني والتي تُشكل نقطة استراتيجية كونها تكشف الساحلين اللبناني والفلسطيني المحتل ، من هنا يمكننا القول ان بعض التفاصيل لازالت مُبهمة ويكتنفها الغموض ، كما انه وفق المعلومات الواردة في الورقة الخطية حديث عن ان حقل قانا لايقع كاملاً ضمن الجغرافيا اللبنانية إنما في استغلاله يمكن للبنان التنقيب فيه واستخراج النفط والغاز ولكن من منطقته الجنوبية والواقعة خارج خط الحدود٢٣ ستقوم شركة التنقيب total بتعويض إسرائيل عنها ، وهذا ما قد يخلق إشكالية في المستقبل ، وقد تُعيدنا الى إشكالية تفسير او ترجمة النص الانكليزي كما حدث في القرار الدولي ٢٤٢ الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة او انسحاب من اراضٍ فلسطينية محتلة ، وهذا معروف بالاساس والاصل عما تستطيع القيام به إسرائيل من تلاعب وتهرب من الاتفاقيات والقرارات الدولية فكيف باتفاقية ترسيم حدود بحرية ولازالت نقاط الحدود البرية المختلف او المتحفظ عليها ، لم تُحل على الرغم من مرور اثنان وعشرون عاماً على الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان ولازالت تلك النقاط عالقة لم يتم حلها او التوصل الى اتفاقية ترسيم حدود برية واضحة النقاط والمعالم .
ولو قرأنا بتمعن وتأني ما ادلى به صبيحة هذا اليوم رئيس الحكومة الاسرائيلية المستقيلة لوجدنا بأن اتفاقية ترسيم الحدود توفر الامن والاقتصاد لاسرائيل ، وجاء في حديثه :
أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، إلى أنّ بلاده تدرس المقترح الأميركي لترسيم الحدود البحرية مع لبنان، لافتاً إلى أنّ “مسودة الاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية تحافظ على أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية”.
وأضاف لابيد: “لا مانع لدينا من تطوير حقل غاز لبناني إضافي، وسنحصل على حصتنا المالية منه بالتأكيد”، موضحاً بالقول: “منفتحون على قيام لبنان بتطوير حقل غاز إضافي إذا دفع رسوم”
* بناء على نص المادة ٥٢ من الدستور اللبناني استعاد رئيس الجمهورية ميشال عون ملف التفاوض من الرئيس نبيه بري الذي كان مكلفاً به وعلى اساسه تم توقيع اتفاق الاطال في ايلول – سبتمبر من العام ٢٠٢٠ ، تحت حجة ان الاتفاقيات والمعاهدات الدولية يقوم بها رئيس الجمهورية ، بينما بالامس صدر عن القصر الجمهوري في بعبدا بأن اتفاقية ترسيم الحدود ليست معاهدة دولية كون لبنان لاتربطه علاقات دبلوماسية مع لبنان هذا الامر يُسقط اهلية المفاوض اللبناني بالاساس ، وبالتالي سيكون التوقيع على الورقة النهائية كُلٍ على حِدة وسيتم إيداعها الامم المتحدة لتصبح وثيقة من وثائق الامم المتحدة وبالتالي يؤكد ذلك شبه اعترف مابين الدولتين ” لبنان وإسرائيل ” وهذا يُسقط نظرية حزب الله الاساسية في عدم اعترافه باسرائيل او التطبيع معها .
* اليس مًصادفة ان تصل الورقة الخطية حول التفاوض والملاحظات التي على اساسها سيقوم الترسيم في صبيحة الاطلالة الموعودة لحسن نصرالله ، حيث اسهب بدور حزبه وتلك المقاومة التي دوماً يتحدث عنها في استعادة حقوق لبنان ؟؟؟!!! ، هل في ذلك تنسيق لتعويم حزب الله لبنانياً بعدما بلغت ازمته اللبنانية الداخلية في خطر يطاله بالاساس ؟؟؟
وأضاف لابيد: “لا مانع لدينا من تطوير حقل غاز لبناني إضافي، وسنحصل على حصتنا المالية منه بالتأكيد”، موضحاً بالقول: “منفتحون على قيام لبنان بتطوير حقل غاز إضافي إذا دفع رسوم”.
وهذا ما يكشف بوضوحٍ تام فعلا بأن ماحصل يُشكل مصادفةً غريبةً عجيبة ، وقد شكلت مادة دسمة لاطلالته وحديثه المًسهب عن دور حزبه ومقاومته في دعم المفاوض اللبناني والدولة اللبنانية ، ولكنه غاب عن باله بأن في ذلك تنازلاً عن مساحات واسعة من المياه الاقليمية اللبنانية والمنطقة الاقتصادية الخالصة ، وبالتالي وفقاً لمفهوم الانتماء الوطني ، أن التنازل عن حقوق واراضٍ وثروات وطنية يُشكل خيانةً عُظمى يُحاسب عليها القانون والدستور وبالتالي فإن اعترافه بدور حزبه ومقاومته يُشكلان اعترافاً واضحاً بأن التنازل عن الخط ٢٩ هو خيانة وطنية عظمى يجب محاكمته وحزبه ومن قام بالتفاوض على تلك الخيانة الواضحة المعالم والجلية ، وليس كما يذكر دوماً بأنه نصر إلهي جديد يُضاف إلى سجلات حزبه من انتصاراتٍ الحقت الاذى والخراب والدمار بلبنان وشعبه .