جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير
وجدى وزيرى
البركة نعمة من نعم الله – سبحانه و تعالي- و جند خفي من جنوده ، يرسله الله تعالي لمن يشاء من عباده .
و لطالما كثير من الناس يشكو دائما من قلة البركة ، و يظن أنه قد أحيط به ، فلا بركة في المال ، و لا بركة في الرزق ، و لا بركة في العلم ، و لا بركة في الوقت ، و لا بركة في العمر ، و لا بركة في الأهل ، و لا بركة في البيت ، و يظل الإنسان ناقم علي حياته دون أن يعرف مالسبب في قلة البركة ، و هو ما سنتعرض له في حينه.
و البركة هي كثرة الخير الألهي ، و زيادته و نماءه ، و أستقراره ، في شتي مجالات الحياة ، و لذلك فإن الخير يصبح لا قيمة له عندما ينتزع منه البركة ، فالبركة هي التي تنمي الخير ،
و تثبته ، و تحفظه ،
وتنميه، و تبقيه مستمرا ، و مستقرا .
لذلك فإن من خصائص البركة هي الثبات ،
و الاستقرار ،
و الإستمرار ، أستمرارا لا يعرف حدود الزمان، و لا المكان ، و لا الأشخاص ، فهي ستظل مستمرة في حياة الدنيا أمد الدهر
، و ممتدة الي أن يرث الله تعالي الأرض و من عليها.
و البركة تشمل جميع نواحي الحياة ، فدائما ما يشعر العبد بأن الوقت يمر سريعا لا يشعر به ، و أن الوقت لا يكفي للقيام بكل مسؤلياته، و أن العمر أقصر من أن يؤدي فيه جميع الحقوق ،
و الإلتزامات ، فالعبرة ليست بطول الوقت أوقصره ، و أنما العبرة بالبركة فيه ، بأن ينجز الإنسان كل ما يريد تحقيقه في أقل وقت ممكن.
و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن الوقت نعمة من نعم الله علي خلقه ، و لابد للعبد من شكر النعم ،
و الإ سلبت منه
و ذهبت ، و شكر نعمة الوقت ، يكون بإستعمالها في الطاعات ، و إستثمارها في الباقيات الصالحات.
و في العموم الشكر علي نعم الله و هي كثيرة لا تعد و لا تحصى هي سنة حميدة ، يتعين علي العبد أن يحمد الله ، ويشكره عليها في كل وقت و حين ، مصداقا لقول الله تعالي :
“لئن شكرتم لأزيدنكم ” سورة أبراهيم آيه 7.
أما ما يتعلق بالمال ، فالأنسان دائما ما يشكو بعدم وجود بركة في المال ، فالعبرة ليس بكثرة ما يحصل عليه الإنسان من مال من جهده و عرقه ووقته ، و إنما العبرة بالبركة في المال سواء عند صرفه، أو الإنتفاع به ، لتلبية كل أحتياجاته المتعددة و المتنوعة.
و ما ينطبق علي البركة في المال، ينطبق علي الرزق ، غير أن الرزق أعم و أشمل من المال ، فالرزق هو كل ما ينتفع به الإنسان سواء بصفة مباشرة كالمال، أو ما ينتفع به بصفة غير مباشرة ، فالزوجة الصالحة رزق ، و الأبناء الصالحين رزق ،
و العلم النافع رزق .
و لطالما يشكو الإنسان دائما من عدم تحقق كفاية في الرزق ، كما أو كيفا، رغم ما يبزله الإنسان ، من سعي وجهد و تعب في تحصيل الخير ،
و التنعم بوفرته ،
و بقاءه ، و إستمراره .
أذن البركة معني زائد علي الرزق ، فالرزق
و إن كان فيه خير و فائدة ، و لكن إذا إنعدمت بركته لم تحقق كفايته ، و لا بقائه مهما كثر و تعاظم في ظاهره .
و السبيل الي تحقيق البركة في شتي مجالات الحياة في المال ، و الرزق ،
و الأهل ، و الأبناء ،
و الوقت ، و العمل ،
و العمر ، السبيل الوحيد الي تحقيق البركة ، هو تقوي الله تعالي ، و ذلك بإلتزام أوامره و نواهيه ، كما حث الله تعالي علي تعظيم قيمة العمل ،
و الإتقان في أداءه ، مصداقا لقوله تعالي ” إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ” سورةالكهف 30 ، كما قد وردت أحاديث نبوية تحث علي إتقان العمل، والأخلاص فيه ، كما قال النبي صل الله عليه و سلم في حديث رواه مسلم ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ”
و الناس لا يسألون كم فرغت من العمل بل ينظرون الي إتقانه و جودته .
أذن إتقان العمل و الإخلاص فيه هو خير ضمان لتحقق البركة ، ” لذلك من لا يتقن عمله ، و يتهاون فيه ، و يهمله ، و لا يخلص فيه ، سيكون سببا في نزع البركة منه سواء في عمله ، أو رزقه ، أو ماله .
و من أعظم أسباب نزع البركة من الإنسان في رزقه و ماله ، كثرة المعاصي و الذنوب و الغفلة عن ذكر الله تعالي و إستغفاره لعدم إمتثاله لأوامره و إجتناب نواهيه .
فقد روي الإمام أحمد في مسنده ” أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال ” إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ” .
نخلص من ذلك ، أن البركة هي سنة الله تعالي و جند خفي من جنوده و يرتبط وجودها و نزعها إرتباط وثيق بطاعة الله تعالي، و إتباع سنة رسوله صلي الله عليه
و سلم ، فإذا حلت البركة في المال أكثرته ، و إذا حلت في الجسد قوته ، و إذا حلت في الوقت عمرته ،و إذا حلت في الولد أصلحته.
# و البركة ثابتة في الشرع و قد أكد الله سبحانه وتعالى عنها و ذكرها في القرآن الكريم بنصوص قطعية ، و قد وردت في القرآن الكريم بعدد
32 مرة في عدد 5 صيغ و هي :
[ تبارك – بارك – بورك- بركات و بركاته – مباركة ]
# و في صيغة [ تبارك ] وردت في 9 مواضع :
☆ في سورة الفرقان الآية الأولي كما في قوله تعالي : ” تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا ”
☆ و في سورة الفرقان آيه 10 و آية 61 .
☆ و في سورة الرحمن في قوله تعالي :
” تبارك أسم ربك ذي الجلال و الإكرام ” آية 78 .
☆ و في قوله تعالي : ” تبارك الذي بيده الملك و هو علي كل شئ قدير” تبارك آية 1.
☆ و في قوله تعالي :
” تبارك الذي له ملك السموات و الأرض و ما بينهما و عنده علم الساعة و إليه ترجعون” سورة الزخرف آية 85 .
☆ و في قوله تعالي :
“فتبارك الله أحسن الخالقين ” سورة المؤمنون آية 14.
☆ و في قوله تعالي :
” فتبارك الله رب العالمين ” سورة غافر آية 64.
☆ و في قوله تعالي :
” تبارك الله رب العالمين” سورة الأعراف آية 54 .
# و جاءت بصيغة [ بارك] و قد وردت في القرآن الكريم
بعدد 7 مرات :
☆ كما في قوله تعالي :
” و بارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ” سورة فصلت آية 10.
☆ و كما في قوله تعالي :
” سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام الي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله . سورة الإسراء آية 1.
☆ و في سورة الأنبياء آية 71 .
☆ و في سورة الأنبياء آية 81 .
☆و في سورة سبأ آية 18.
☆ و في سورة الصافات آية 113 .
☆ و في سورة الأعراف آية 137 .
# و جاءت بصيغة [ بورك] و قد وردت في القرآن الكريم مرة واحدة فقط في قوله تعالي : “فلما جاءها نودي أن بورك من في النار و من حولها و سبحان الله رب العالمين ” سورة النمل آية 8 .
# و جاءت بصيغة [ بركات – و بركاته ]
و قد وردت في القرآن الكريم في عدد 3 مرات .
☆ كما في قوله تعالي : و لو أن أهل القري آمنوا و أتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ” سورة الأعراف آية 96.
☆ و في قوله تعالي :
” يا نوح أهبط بسلام منا و بركات عليك و علي أمم ممن معك ” سورة هود آية 48.
☆ و في قوله تعالي :
” قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله و بركاته عليكم أهل البيت ” سورة هود 73.
# كما جاءت بصيغة [ مبارك ] في القرآن الكريم في عدد 12 مرة:
☆ كما في قوله تعالي:. ” و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه و لتنذر أم القري و من حولها ” سورة الأنعام . آية 92
☆ و في سورة الأنعام آية 155.
☆ سورة الأنبياء آية 50.
☆ و في سورة ص آية 29 .
☆ و في سورة آل عمران آية 96
☆ و في سورة مريم آية 31.
☆ و في سورة المؤمنون آية 29
☆ و في سورة ق آية 9.
☆ و في سورة النور آية 35
☆ و في سورة النور آية 61.
☆ و في سورة الدخان آية 3
☆ و في سورة القصص آية 30.
# و جميع هذه الصيغ التي وردت في القرآن الكريم ، من خلال ورودها في سياق النص القرآني، تدل علي معاني البركة،
و النماء ، و الزيادة في الخير ، و جميعها تثبت حقيقة مؤكدة ألا و هي
إطلاقات القدرة الألهية سبحانه و تعالي مبينا قدرته و مشيئته و هي لا تنسب الإ له وحده ،
و إليه سبحانه و تعالي، منفردا ، و لا يشاركه في ذلك أحد مصداقا لقوله تعالي : “تبارك أسم ربك ذي الجلال و الإكرام ” سورة الرحمن آية 78.
#و علي ضوء ما تقدم ، فإن البركة هي الزيادة في الخير الألهي ، فالمعني زاد خيره ،
و عطاؤه و كثر الخير و أدامه ،و لا يوجد أي أحد أحق بذلك وصفا و فعلا و قولا من الله سبحانه وتعالى وحده جل جلاله. مصداقا لقول الله تعالي ” تبارك الذي بيده الملك و هو علي كل شئ قدير” سورة الملك آية 1.
# و قد يسعي العبد المؤمن من تعظيم البركة من بعض الأماكن و الأزمنة ، كالصلاة في الكعبة المشرفة بيت الله الحرام يكون ثواب الصلاة فيها يعادل مائة ألف فيما سواها و الصلاه في مسجد الرسول صل الله عليه و سلم في المدينة المنورة يكون ثوابها بألف صلاة فيما سواها و ثواب الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة فيما سواها.
و قد ثبتت البركة في بعض الأزمنة كما في ليلة النصف من شعبان ، و شهر رمضان و ليلة القدر ، و يوم الجمعة .
كما ثبتت البركة في السنة النبوية المشرفة، بأدلة ثابتة، و قطعية، و أتفق عليها الصحابة رضوان الله عليهم ،
و قد شاهدوها بأعينهم ، فكانوا يقتتلون علي وضوئه ، و يأخدوا من ريقه و عرقه ، و يتسابقون في مسح أبدانهم ، و رؤسهم ، بيده الشريفة ، و يحرصوا علي ملامسته، و كل ذلك بإقراره صلي الله عليه و سلم ، و غير ذلك من البركه في تناوله الطعام ،
و الشراب فكان يبدأ طعامه و شرابه بذكر أسم الله تعالي عليه فتحل البركة ، و من معجزاته التي أكرم الله تعالي بها صلي الله عليه و سلم فكان يقوم بتكثير الطعام القليل ، و زيادة البركة فيه،حتي إن اليسير منه الذي لا يكاد يكفي الشخص أو الشخصين، يسد حاجة الجمع الفقير ، و العدد الكبير من القوم ، و هي معجزات خصها الله تعالي بنبيه ، و هي تكررت في أماكن كثيرة ، و في مناسبات عديدة .
و بصفة عامة بركة النبي صلى الله عليه وسلم، تتمثل في أكثر من شئ فبدنه مبارك ، و رؤيته بركة ، و كلامه كذلك.
و السيرة النبوية فيها الكثير من الشواهد و الأمثلة الدالة علي بركة النبي صلى الله عليه وسلم ،
في لمسه للاشياء، مع بعض أصحابه ،
فمن الكرامات ،
و المعجزات ، التي أكرم الله تعالي بها علي نبيه ، حصول الشفاء من الله عز و جل لبعض أصحابه ، ببركة لمسه لأماكن مرضهم و أصابتهم.
# و لكن كيف السبيل الي تحقيق ” البركة ” في كافة نواحي حياة الإنسان ؟
و خير بداية في تحقيق البركة هي تقوي الله سبحانه وتعالى في كافة نواحي الحياة ، الإتقان في العمل و جودته ، و أن يكون مصدر المال من حلال و خالي من المحرمات و المحظورات الشرعية ، و قد أمر الله تعالي النبيين و الرسل ،أن يتحروا في أكلهم و مشربهم و ملبسهم من مصدر حلال ، و أن الله تعالي أمر المؤمنون بما أمر به المرسلين ، فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و أعملوا صالحا و قال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث ، أغبر ، يمد يديه الي السماء يا رب ، يا رب و مطعمه حرام ، و مشربه حرام ، و ملبسه حرام ،و غذي بالحرام ، فأني يستجاب لذلك ؟!
و بالتالي لا تحل عليه البركة ، و الفضل ، و المني ، و الخير الألهي .
و المعني ، أن المال الحرام سيدخل علي العبد المؤمن ، في مأكله ،و مشربه ،
و ملبسه ، و زوجته و أبناءه ، و أهله و بيته ، حرام ، و إن أنفقه صاحبه في بر لم يقبل ،و إذا بذله في نفع لم يشكر فقد قال الرسول صل الله عليه و سلم : ” لا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ، و لا يتصدق به فيقبل منه ، و لايتركه خلف ظهره الإ كان زاده الي النار رواه أحمد في سنده.
# و الآيات القرآنية التي وردت عن ما هو حرام ، كثيرة و متعددة و منها علي سبيل المثال في قوله تعالي :
” يا أيها الناس كلوا ما في الأرض حلالا طيبا و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ” سورة البقرة 168.
و في قوله تعالي:
” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم و أشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون ” سورة البقرة. آية 172.
# و نختم حديثنا عن البركة بهذا الدعاء
” رب أجعلني مباركا أينما كنت ، اللهم بارك لي في أهلي ، و بارك عليهما ، و بارك اللهم لنا في أعمارنا ، و بارك في مالنا و بارك في أرزاقنا و بارك في حسناتنا،
و بارك اللهم لنا في أسماعنا ، و في أبصارنا ، و بارك لنا في صحتنا ، و بارك لنا في أوقاتنا ، برحمتك
و فضلك و جودك ،
يا أرحم الراحمين ،
يا أكرم الأكرمين ،
يا أجود الأجودين، أنت علي كل شئ قدير.
اللهم آمين يارب العالمين.
و أخر دعوانا قال الحمد لله رب العالمين.
و صلي الله علي سيدنا محمد وعلي أله
و صحبه و سلم.