طارق فوزي يكتب حديث الجمعة ” السلام الروحي”

جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى 

في عالم ملئ بالصخب و الإضطراب ، يبحث الإنسان عن ملاذ آمن يمنحه السكون و الأمان و الطمأنينة و الإستقرار النفسي .
إن السلام الروحي والسكينة تعد من أعظم النعم التي يمكن أن يحظي بها العبد المؤمن ، فهي تمنحه القدرة علي مواجهة التحديات بهدوء و إتزان ، و تساعده علي تجاوز المصاعب دون أن يفقد إيمانه أو ثباته .
السكينة ليست مجرد شعور بالإرتياح الوقتي ، أو العلاج المؤقت ، و أنما هي حالة عميقة من الرضاء الداخلي و السلام الروحي الذي يكون الإنسان في أقصي درجات الإحتياج إليه حتي يصل الي منتهاه و هي السعادة و النفس الراضية المطمئنة المستقرة في هدوء و سكينة، مهما كانت الظروف المحيطة حولنا غير مستقرة و محفوفة بالمخاطر و التهديدات و الغير آمنة .
و السلام الروحي ، تعني السكينة،
و الإستقرار،
و الطمأنينة،
و تشير الي الهدوء، و الرزانة، و الوقار ،و تجعل الإنسان بعيدا عن الإضطراب،
و الحركة ،
و الضوضاء .
و السلام الروحي معناه المطلق، هو ما قاله أبن القيم ” هو الطمأنينة و الوقار و السكون الذي ينزله الله تعالي في قلب عبده عند شعوره بالإضطراب ”
و معني ذلك في رأينا أن السلام الروحي ليس إحساس داخلي نابع من العبد المؤمن يستطيع أن يتحكم فيه وقت ماشاء
و كيف شاء و يستدعيه كلما دعت الضروري الي ذلك.
و أنما هي رسالة ألهية ينزله الله علي قلب العبد المؤمن ، تمنحه القوة و الثبات، في مواجهة القلق و الخوف و الضغوط ، فالسلام الروحي هي منة و منحة ألهية ، تساعد المؤمن علي الثبات في المواقف الصعبة و تعزز من إيمانه و يقينه بالله تعالي .
و قد ورد السلام الروحي و السكينة و الطمأنينة في القرآن الكريم في سياقات متعددة، تدل جميعها علي تلك الحالة و هي المنة و العطية التي يمنحها الله تعالي علي عبده المؤمن و منها قوله تعالي : ” هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم و لله جنود السماوات والأرض و كان الله عليما حكيما .” سورة الفتح آية ٤
و هنا نجد أن الله تعالي في سورة الفتح أشار الي أنه هو أي الذات الألهية وحده دون غيره هو الذي ينفرد بنزول السلام و السكينة و الطمأنينة،في قلوب المؤمنين و قد خصص الله تعالي أنها تنزل علي موطن الهدوء و الإستقرار الروحي للعبد المؤمن و هو القلب و هو المركز الذي يضئ بالنور يسكن فيه و يهدئ سكينته و يمنحه الطمأنينة، و لكن لماذا يا الله ؟
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم و قد حدد الله تعالي الكيفية علي تحقيق ذلك بأن لله جنود السماوات والأرض لتحقيق هذا الهدف الأسمي الذي يمنحه الله لعباده المؤمنون عند شعورهم بالإضطراب و القلق و الخوف بعدم الإحساس بالآمان ليعزز إيمانه و يقينه بالله.
و مايؤكد هذا المعني ما تعرض له المؤمنون في “غزوة حنين” عندما أعجب المؤمنون بعددهم و كثرتهم فأزدادوا غرورا و تكبرا عند مواجهة الكافرين و كانت النتيجة أنهم أجبروا علي التقهقر و ضاقت بهم الأرض بما رحبت فولوا مدبرين فقال الله تعالي ” لقد نصركم الله في مواطن كثيرة و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم و ليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته علي رسوله و علي المؤمنين و أنزل جنودا لم تروها و عذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ” سورة التوبة آية
25 و 26
و ما يؤكد هذا المعني أيضا و هي المنة و المنحة التي ينزلها الله تعالي بالسكينة و الهدوء و السلام الروحي علي عبده المؤمن عندما تعرض النبي صلى الله عليه وسلم و صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه في رحلة الهجرة من مكة الي المدينة و هما في الغار و كان أمامه الكافرين عندما أحاطوا بهما وهما في الغار فقال تعالي: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني أثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السفلي و كلمة الله هي العليا و الله عزيز حكيم ” سورة التوبة
آية 40 .
و الأمثلة كثيرة كما في سورة الفتح آية 48″” فأنزل السكينة عليهم و آثابهم فتحا مبينا ”
# و كان الشيخ أبن تيمية عندما تشتد عليه الأمور في مواجهة ما أستعصي عليه في حلها قرأ آيات السكينة الستة في القرأن وهي :
1} ” وقال لهم بينهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم” سورة البقرة آية 248
2}” ثم أنزل الله سكينته علي رسوله و علي المؤمنين “سورة التوبة آية 26
3} ” إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها” سورة التوبة آية 40
4} ” هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم سورة الفتح آية 4
5} ” لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و آثابهم فتحا قريبا سورة الفتح آية 18
6} ” إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته علي رسوله و علي المؤمنين سورة الفتح آية 26
# و من الأحاديث النبوية في هذا السياق قول النبي صلي الله عليه وسلم ”
و ما أجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يقرأوا كتاب الله ، و يتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة ، و حفتهم الملائكة ، و ذكرهم الله فيمن عنده ” رواة مسلم.
# أذن نشر السلام الروحي
و الطمأنينة
و الهدوء النفسي في أوقات القلق و الخوف هو نهج الأنبياء فهذا كليم الله موسي عليه السلام نجد أنه عندما تعرض هو و من معه مهاجرا من بطش فرعون و جنوده و كانوا علي أثرهم ، و قبل أن تحتفل الأرض و السماء بآية من آيات الله تعالي العظمي في تمكين المؤمنين و إهلاك فرعون و من معه بعد أن أصبحوا معتقدين بأنهم علي مشارف الهلاك المحقق ، فالبحر أمامهم و جحافل فرعون و جنوده من خلفهم ، و هنا تغلبهم الطبيعة البشرية من خوف وفزع لا يدركون آيات الله و أنهم في معيته و فضله و رعايته و التسليم عن يقين بأن في أوقات المحن و الشدائد و الأهوال تتجلي قدرة الله بسكينة النفوس
و السلام الروحي و طمأنينة القلوب و أخذ موسي عليه السلام ينطق بلسان الواثق بالله و المؤمن بآياته و أن الله لن يضيع نبيه و المؤمنين فما كان موسي عليه السلام الي أن أخذ يطمئن قومه بقوله تعالي ” قال كلا إن معي سيهدين ” سورة الشعراء آية 61\ 62.
# ما أحلي الرجوع الي الله تعالي و أن نكون في معيته و بصحبة جنوده الذين لا نراهم تؤازرنا و تدعمنا في سلام روحي آمينين مطمئنين عندما نواجهة صعوبات الحياة و في وقت الشدة و المحن فأهل الإيمان ، هم أولياء الله ، و قلوبهم لا تعرف خوفا و لا قلقا و لا حزنا ، و إذا أعتراهم النقص البشري فسرعان ما تعود للقلوب سكينتها ، و للنفوس طمأنينتها ، فقلوبهم دوما في راحة وصفها الله تعالي لنا ” فمن آمن و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ” سورة الأنعام آية 48.
و من أتقي و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ” سورة الأعراف آية 35.
و قوله تعالي “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ” سورة يونس آية 62.

# أذن في الحياة لحظات لايصمد لها الإنسان الإ إذا كان يأوي الي جنب الله ، و يلوذ بحماه ، و مهما أوتي الإنسان من القوة و الثبات و العدة و العتاد ، فإن الحياة لحظات تعصف بهذا كله ، فلا يصمد لها الإ المطمئنون بقلوبهم الواثقون في الله الذي يمدهم بالسلام الروحي و بطمأنينة النفس و هدوء البال .

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock