جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى
كتبها:فاروق شرف.
أولاً : الضريح:
– الضريح لسيدة عظيمة من سيدات آل البيت الأطهار صوّامة قوّامة، حافظةً لكتاب الله تعالى، وعالمةً بعلوم الفقه والتفسير، زاهدةً بالدُّنيا، مقبلةً على الآخرة.
– هي السيدة نفيسة العالية القدر بنت الإمام الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الإمام الحسن بن على بن أبى طالب، وأمها هي زينب بنت الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب، من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم.
– ولدت بمكة عام 145 هجرية، وهي في الخامسة من عمرها انتقلت مع أبوها الإمام الحسن الأنور إلى المدينة المنورة، وهناك تعلمت علوم الحديث والفقه، وكانت دائمة الذهاب إلى المسجد النبوي والاستماع إلى الشيوخ والعلماء، فأطلق عليها لقب “نفيسة العلم”، قبل أن تصل لسن الزواج.
– تقدم لخبطتها إسحق بن جعفر الصادق، والذي كان يلقب بـ”المؤتمن” لكثرة أمانته وقوة إيمانه، وتم زواجهما في عام 161 هجرية، وأنجبت منه “القاسم وأم كلثوم”.
– جاءت السيدة نفيسة إلى مصر بصحبة زوجها وأبيها وأبنائها، في 193 هجرية، لزيارة آل البيت الموجودين في مصر عقب زيارة بيت المقدس، ولما علم المصريون استقبلوها في مدينة العريش ثم صحبوها إلى القاهرة، وأعطاها والي مصر في ذلك الوقت “عبدالله بن السري بن الحكم” داره الكبرى في منطقة درب السبع في ذلك الوقت، وقيل أنها حفرت قبرها بنفسها في ذلك المنزل، وكانت تنزل فيه وتصلي، وتوفت في شهر رمضان عام 208 هجرية، وقرر زوجها أن يحملها إلى المدينة لكي يدفنها بالبقيع، لكن أهل مصر استجاروا بالوالي عنده ليرده عن ذلك فرفض، رغم ما جمعه المصريون من نقود طالبين منه أن يأخذها ويترك السيدة نفيسة تدفن بينهم، حتى وافق في صباح اليوم التالي بعدما أخبر المصريين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له في المنام:”رد على الناس أموالهم وأدفنها عندهم”.
– وذكر المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والأثار”، أن أول من بنى قبر السيدة نفيسة هو والي مصر عبد الله بن السري، في عهد الدولة العباسية، وأعيد بناء الضريح في عهد الدولة الفاطمية وأضيف له قبة وذلك في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، في عام 482 هـ.
– ثم أمر الناصر محمد بن قلاوون بإنشاء مسجد بجوار الضريح عام 714هجرية، وأمر بتجديد المسجد والضريح معًا، وظل المسجد والضريح على حالتهم حتى عام 1173 فقد نشب حريق بالمسجد وأتلف قسم كبير منه.
– وأمر الخديو عباس حلمي الثاني بإعادة بنائه في 1314 هجرية/1897 ميلادية، ليحتفظ المسجد بطابعه الأثري منذ ذلك التاريخ، حيث تعلوه منارة تم بنائها على الطراز المملوكي، ويتوسط جدار القبلة محراب مكسو بالقاشاني الملون، وعلى يمين المحراب باب يؤدي إلى ردهة مسقوفة بوسط سقفها شخشيخة حليت بنقوش عربية، وهي الردهة الموصلة إلى ضريح السيدة نفيسة المقام فوقه مقصورة نحاسية.
ثانياً : المسجد :
ويقع المسجد والمقام في ميدان يحمل اسمها،( ميدان السيدة نفيسة) بأول شارع الأشراف والذى يعرف بطريق آل البيت .. ويحتوي المسجد على ضريح السيدة نفيسة ويضم أيضًا ضريح السيدة جوهرة خادمة السيدة نفسية، و المسجد له مدخلٍ للرجال وآخر للنساء، وفيهِ ممرٌ طويلٌ يصلُ إلى المقام الشريف، كما يضمُّ الضريحُ مقصورةً نُحاسية، وقد تعرّض المسجدُ إلى التجديدِ على مرّ الحضارات لما لهُ من مكانةٍ عظيمة في نفوسِ المسلمين.
* تاريخ المسجد الحديث:
– المسجد بُني فوق ضريح السيدة نفيسة، حيث دُفنت بعد وفاتها في مصر .. ثم أعيد بناء المسجد عدة مرات عبر التاريخ، وأشهر التجديدات كانت في عصر الخديوي إسماعيل، ثم في عهد الملك فؤاد الأول، وأخيرًا شهد ترميمات حديثة للحفاظ على طرازه المعماري الإسلامي الفريد.
– تبلغ مساحة مسجد السيدة نفيسة حوالي 4000 متر مربع تقريبًا، بما يشمل المسجد، الضريح، الساحة الخارجية، والمرافق الملحقة به وقد شهد توسعات وتجديدات عبر العصور، مما زاد من مساحته الأصلية .
التخطيط العام للمسجد:
المدخل: للمسجد مدخلان رئيسيان؛ أحدهما مخصص للرجال والآخر للنساء، وقد تم تجديدهما مؤخرًا وتزيينهما بالرخام الفاخر.
الممر الداخلي: يؤدي المدخل إلى ممر طويل مزين بلوحات فنية وأشعار في مدح أهل البيت، يصل إلى المقام الشريف للسيدة نفيسة.
قاعة الصلاة : تتسع القاعة الرئيسية للمصلين، وتتميز بسقف مزخرف وقبة مركزية .
الضريح: يقع ضريح السيدة نفيسة داخل المسجد، وتحيط به مقصورة نحاسية مزخرفة.
المرافق الملحقة: يضم المسجد مرافق خدمية مثل أماكن الوضوء والمكتبات.
معمار المسجد :
– يتميز المسجد بالطراز الإسلامي العريق، حيث يحتوي على قبة ضريحية تعلو مقام السيدة نفيسة و يضم المسجد إيوانًا واسعًا للصلاة، ومئذنة ذات طراز عثماني.
– يحتوي على زخارف إسلامية رائعة، ونوافذ مزخرفة بأشكال هندسية جميلة.
* شهد مسجد السيدة نفيسة في القاهرة أعمال تطوير وترميم شاملة، حيث افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي المسجد بعد انتهاء هذه الأعمال في 8 أغسطس 2023. شملت عمليات التطوير:
1- ترميم الضريح والمسجد القديم: تضمنت فك الأرضيات والحوائط الرخامية القديمة، واستبدال الأبواب والنوافذ الخشبية، وترميم الأحجار والشبابيك الجصية المعشقة بالزجاج، بالإضافة إلى ترميم الزخارف داخل قبة الضريح.
2- معالجة الأسطح: تمت معالجة الأسطح الخشبية للمسجد والضريح، بما في ذلك استبدال الأجزاء التالفة، وإضافة طبقات عزل ودكات وبلاط جديد.
3- ترميم المئذنتين والقبة: شملت الأعمال ترميم المئذنتين والقبة الخاصة بالمسجد، بالإضافة إلى ترميم المنبر والمحراب والزخارف الخشبية.
4- تحسين المرافق: تم رفع كفاءة دهانات المسجد القديم، وتجديد الأبواب والنوافذ الخشبية، وإنشاء غرفة لكبار الزوار، وتطوير الميضأة وغرفة الكهف.
كما تم تجديد فرش المسجد بالجهود الذاتية تحت إشراف وزارة الأوقاف، مما أضفى عليه حلة جديدة تليق بمكانته الروحية والتاريخية.
هذه الجهود تأتي في إطار خطة الدولة المصرية لتطوير مساجد آل البيت والقاهرة التاريخية، بهدف الحفاظ على التراث الإسلامي وتقديم أفضل الخدمات للمصلين والزائرين.
الزخارف داخل مسجد السيدة نفيسة:-
يتميز مسجد السيدة نفيسة بروعة الزخارف الإسلامية التي تجمع بين الطراز الفاطمي والعثماني، مع لمسات حديثة أُضيفت خلال عمليات الترميم الأخيرة.
1- الزخارف الداخلية والمحراب : فيحتوي المسجد على محراب رخامي فاخر مزين بزخارف هندسية ونباتية دقيقة ويحيط بالمحراب لوحات من الخط العربي، تحمل آيات قرآنية منقوشة بالذهب .. و تمت إعادة ترميم الزخارف داخل قبة الضريح، وهي مزينة بنقوش عربية بارزة بألوان زاهية.
2- القبلة والحوائط : جدران المسجد مكسوة بالرخام الملون، مع وجود أشكال هندسية وزخرفية فريدة .. أما القبة من الداخل مزينة بزخارف ذهبية ونقوش قرآنية بأسلوب عثماني مميز .. هذا وقد تم استخدام الشبابيك الجصية المعشقة بالزجاج الملون، والتي تعكس ضوء الشمس بطريقة رائعة داخل المسجد.
3- المنبر الخشبي : المنبر مصنوع من خشب الأبانوس والمَاهُوجني، ومزين بأعمال الأرابيسك الدقيقة و يحمل المنبر زخارف هندسية ونباتية مذهلة، كما يحتوي على كتابات قرآنية منقوشة بدقة عالية .. وقد تمت إعادة ترميمه للحفاظ على تفاصيله التاريخية الفريدة، مع تثبيت أجزائه الأصلية.
4- المآذن : يحتوي المسجد على مئذنتين تمت صيانتهما وترميمهما خلال عمليات التطوير الأخيرة، وهما من الطراز العثماني مع تأثيرات مملوكية.
خصائص المآذن:
– الطراز المعماري :تتكون كل مئذنة من ثلاثة طوابق، مزينة بزخارف هندسية ونقوش إسلامية دقيقة .. والشكل العام أسطواني مخروطي، وهو طراز شائع في العمارة العثمانية.
– التفاصيل الزخرفية للمآذن :
الجزء السفلي مزين بأحزمة زخرفية من الأرابيسك الهندسي والنباتي.
نوافذ صغيرة ذات تصميم معشق بالزجاج الملون تسمح بدخول الضوء إلى الداخل.
القمة مزينة بـ هلال نحاسي يرمز للطابع الإسلامي للمسجد.
5- القباب : يضم المسجد قبة رئيسية تعلو ضريح السيدة نفيسة، وهي من العناصر البارزة في تصميم المسجد.
خصائص القباب:
– القبة الرئيسية : مصنوعة من الحجر الجيري، وتتميز بزخارف منقوشة بدقة من الداخل، تحمل نقوشًا قرآنية وزخارف ذهبية بأسلوب عثماني جميل ومحاطة بنوافذ صغيرة تسمح بتوزيع الضوء داخل القبة بطريقة هندسية رائعة.
– تصميم القباب الفرعية : توجد قباب أصغر فوق بعض أروقة المسجد، تساهم في تهويته وإنارته طبيعيًا .. و بعض القباب مزينة بالفسيفساء الإسلامية، مع لمسات من الخط العربي المنقوش.
أعمال الترميم الحديثة في المآذن والقباب : تمت ترميم المآذن بالكامل، مع معالجة الأجزاء المتآكلة وإعادة تثبيت الزخارف الأصلية وتنظيف الزخارف الداخلية واستعادة ألوانها الأصلية مع إضافة إضاءة حديثة، تبرز جمال المئذنتين والقبة ليلاً.
* مسجد السيدة نفيسة يضم مكتبة دينية تحتوي على مجموعة من الكتب الإسلامية والتراثية، وهي مخصصة للباحثين والمهتمين بالعلوم الشرعية :-
مزايا المكتبة الدينية في المسجد:
1- مجموعة متنوعة من الكتب:
كتب التفسير والحديث النبوي.
كتب في الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة.
مؤلفات عن آل البيت وسيرتهم.
مخطوطات وكتب قديمة في العلوم الإسلامية والتاريخ الإسلامي.
2- مكان هادئ للدراسة والبحث:
توفر المكتبة بيئة مناسبة للقراءة والتأمل، مما يجعلها وجهة للباحثين وطلاب العلم.
3- خدمات المكتبة:
الاطلاع على الكتب داخل المكتبة.
إمكانية الاستفسار عن بعض المسائل الدينية من المشرفين عليها.
مسجد السيدة نفيسة والصلاة على المتوفَّين :
يُعرف مسجد السيدة نفيسة بأنه من أشهر المساجد في القاهرة التي تُقام فيها صلاة الجنازة بشكل مستمر. ويرجع ذلك لعدة أسباب تاريخية ودينية واجتماعية :
1- الارتباط التاريخي والديني : فالسيدة نفيسة بنت الحسن كانت معروفة بورعها وتقواها، وكان الناس يتبركون بها في حياتها وبعد وفاتها ..ويُروى أن السيدة نفيسة كانت تصلي على الجنائز التي تُمر بها وهي في منزلها القريب من المسجد، مما جعل المكان مرتبطًا بهذه الشعيرة.
2- الموقع الجغرافي للمسجد : فيقع المسجد في منطقة قريبة من عدة مقابر شهيرة في القاهرة، مثل :مقابر الإمام الشافعي – مقابر البساتين والسيدة عائشة – مقابر باب الوزير
هذه المقابر جعلت المسجد محطة رئيسية لأداء صلاة الجنازة قبل دفن المتوفَّى.
3- المكانة الروحية للمسجد : لأن كثير من المسلمين تعتقد أن الصلاة في مساجد آل البيت ذات فضل وبركة.
يفضل البعض أن تُقام صلاة الجنازة في مسجد مبارك ومشهود له بالصلاح.
4- التسهيلات والخدمات : المسجد يحتوي على أماكن مخصصة لتجهيز الموتى، مما يجعله مناسبًا لإقامة صلاة الجنازة فقرب المسجد من شوارع رئيسية يسهل على أهل المتوفَّى نقل الجثمان إلى المقابر بعد الصلاة مباشرة.
5- العرف والتقاليد الشعبية : على مر العصور، أصبح من المعتاد أن ينقل أهالي القاهرة موتاهم إلى مسجد السيدة نفيسة للصلاة عليهم، حتى أصبح تقليدًا متبعًا عند كثير من الأسر المصرية.
وبسبب كل هذه العوامل، اكتسب مسجد السيدة نفيسة مكانته كأحد أهم المساجد في القاهرة التي تُقام فيها صلاة الجنازة يوميًا، ويقصده الناس لهذا الغرض بشكل مستمر.
أخيراً : شهدت منطقة السيدة نفيسة وشارع الأشراف في القاهرة أعمال تطوير شاملة تهدف إلى إبراز القيمة التاريخية والدينية لهذه المواقع، وتحويلها إلى مزارات سياحية وثقافية مميزة.
أعمال تطوير ميدان السيدة نفيسة :
رفع كفاءة الميدان والشوارع المحيطة: تم تحسين الطرق المؤدية إلى مسجد السيدة نفيسة، مع التركيز على زيادة المساحات الخضراء، وتجميل الجزر الوسطى، ورفع كفاءة الحدائق المحيطة.
تحسين الإضاءة والبنية التحتية: شملت الأعمال رفع كفاءة أعمدة الإنارة في الميدان والشوارع المتفرعة منه، واستبدال الكشافات التالفة، بالإضافة إلى صيانة الأرصفة والبلدورات.
ترميم المباني المحيطة: تم ترميم ودهان المباني والأسوار المحيطة بالميدان، بما في ذلك نقطة شرطة السيدة نفيسة، للحفاظ على الهوية البصرية للمنطقة.
أعمال تطوير شارع الأشراف :
– تحويله إلى متحف مفتوح : يُعرف شارع الأشراف بـ”بقيع مصر” لاحتوائه على العديد من الأضرحة والمعالم الإسلامية. تم تطوير الشارع ليصبح متحفًا مفتوحًا، مشابهًا لشارع المعز لدين الله الفاطمي.
– تجديد البنية التحتية : شملت الأعمال إحلال وتجديد مرافق المياه والصرف الصحي، ورصف الأرضيات بالبلاطات البازلتية، وإضافة نظم إضاءة تراثية.
توحيد واجهات المباني : تم طلاء واجهات المنازل بألوان موحدة تتناسب مع الطابع التاريخي للمنطقة، مع إضافة عناصر معمارية مثل المشربيات والمظلات الخشبية.
تطوير الأضرحة والمساجد: شمل التطوير ترميم المساجد والأضرحة الموجودة في الشارع، مثل مسجد السيدة سكينة والسيدة رقية، بالإضافة إلى تحسين الأسوار المحيطة بها.
توفير خدمات للزوار: تم توفير عربات كهربائية لنقل الزوار بطول المسار، وإنشاء مواقع مخصصة لعربات المأكولات لتوفير فرص عمل للشباب.
الإعداد لحق المعرفة :
تهدف هذه الجهود إلى إعادة إحياء التراث الإسلامي في المنطقة، وجعلها مقصدًا للسياحة الدينية والثقافية، مع الحفاظ على الهوية التاريخية والمعمارية للقاهرة.
مع تحياتي : فاروق شرف.