طارق فوزي يكتب وجهة نظر العميل السري

جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى 

العلاقات الدولية بين دول العالم ، يربطها نقطة محورية واحدة هي لغة المصالح المتبادلة.
فالمصالح السياسية و الإقتصادية،
هما القاسم المشترك لدي الدول فيما بينهم ، لتعزيز سبل التعاون في كافة المجالات الإقتصادية ،
و التجارية ،
و الصناعية، التي تتم من خلال الإتفاقيات الثنائية ،
و المباحثات المتبادلة ،
علي نحو ينعكس أثره المباشر علي شعوب تلك الدول محل الإتفاق ، ذات الإهتمام المشترك.
و تظل لعبة السياسة تقوم بدور محوري ،
و هام في العلاقات الدولية بين الدول سواء كانت العلاقات في وقت السلم، أو وقت الحرب.
بل نجد في وقت الحرب ، تظل الأبواب الخلفية مفتوحة و المباحثات السرية لا تزال جارية، حتي الحوارات البينية بين الدول التي تكون علاقاتها متوترة ،
حتي ولو كانت في حالة حرب ، فتظل السياسية تعبر عن وجهها القبيح حتي و لو أقتضى الأمر التحالف مع الشيطان نفسه، طالما أن هذا التحالف سيحقق أهدافه المرجوه.

لعل هذا العرض السابق يقتضي منا توضيح أكثر
فبعد أن قامت إيران بضرب دولة الإحتلال بمئات من الصواريخ الباليستة بعيدة المدي الي عمق العاصمة تل أبيب في شهر أكتوبر الماضي، غير أن دولة الإحتلال تصدت لهذه الصواريخ، و نجحت القبة الحديدة في إسقاطها ،
و قد أسفرت هذه الضربة الإنتقامية الوهمية،
علي لاشئ ،
و هو ما كان يبدو متفق عليه، لا خسائر في الأرواح لا قتلي ولا جرحي،
و جاءت هذه الضربة الإيرانية ردا علي إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ،
الذي أغتيل في قلب العاصمة الإيرانية طهران.
و بعد أن ضربت إيران دولة الإحتلال في عمق تل أبيب،
و رغم عدم إلحاق أي ضرر ، أرادت هذه الأخيرة الإحتفاظ بحقها في الدفاع عن نفسها برد إنتقامي في الوقت و المكان الذي ستحدده .
و قد أجمع المراقبين السياسيين علي أن تكون هذه الضربة المتوقعة من دولة الإحتلال ضد أيران ستشمل تدمير المفاعلات الذرية ،
و المنشآت البترولية الإيرانية ،
و هي الفرصة الذهبية التي لطالما تحلم بها دولة الإحتلال منذ وقت طويل و قد جاءت هذه الفرصة علي طبق من ذهب .

هنا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، لإحتواء هذه الأزمة التي بدت تلوح في الأفق بين إيران و دولة الاحتلال منعا من التصعيد ليشمل حربا إقليمية شاملة في منطقة الشرق الأوسط ،
و تخشي الولايات المتحدة ما تخشاه هو أن توجه دولة الإحتلال ضربتها المنتظرة في عمق إيران لتشمل ضرب المفاعلات الذرية و المنشآت البترولية
و التي تمثل لإيران المساس بالأمن القومي الإستراتيجي.
و قد أعدت الولايات المتحدة خطة فحواها إحتواء هذه الأزمة المشتعلة ليكون هناك إستقرار و هدوء نسبي في منطقة الشرق الأوسط في هذا التوقيت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة من مراحل الإنتخابات الرئاسية و إنتخاب إحدي المرشحين من الحزب الجمهوري ترامب و الديمقراطي هاريس .
و تتمثل هذه الخطة في إختيار “وسيط” يكون علي علاقة وثيقة بإيران و حليف لها و له دور قوي و تأثير عليها و لديه خبرة بهدف نزع فتيل هذه الأزمة بين إيران و دولة الإحتلال بموافقة و مباركة و دعم من الولايات المتحدة.
و قد أستطاع هذا “الوسيط” إجراء مباحثات مباشرة مع إيران لتهدئة الوضع الملتهب علي أن تضغط الولايات المتحدة علي دولة الإحتلال بعدم التصعيد و الأ تحاول ضرب أهداف محددة، في عمق إيران
و هي المفاعلات النووية،
و المنشأت البترولية.

و قد نجحت الوساطة في عقد إتفاق سري مسبق بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية ،
و دولة الإحتلال و إيران،
و مضمون هذا الإتفاق طبقا لمبدأ تحقيق المصالح المشتركة علي مايلي :
توجيه رسالة أمريكية لإيران عن طريق هذا الوسيط، بعرض أربعة وعود هي علي النحو التالي:
الوعد الأول إلتزام دولة الإحتلال بعدم المساس بالأهداف الإستراتيجية في عمق إيران، و هي مواقع المفاعلات الذرية و المنشآت البترولية.
الوعد الثاني : أن تقنع الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها دولة الإحتلال للموافقة علي إنهاء الحرب في غزة و لبنان.
الوعد الثالث : هو أن تقوم الولايات المتحدة برفع العقوبات الإقتصادية المفروضة علي إيران و أيضا السماح لها ببيع شحنات من البترول و تصديره للخارج.
الوعد الرابع : موافقة الولايات المتحدة بسحب ملايين الدولارات المحتجزة في بنوك أوروبا لإيران و هذه الخطوة تعتبر بمثابة قبلة الحياة كأنفراجة و إنتعاش لأقتصاد إيران المتراجع.
هذا و في حال موافقة إيران علي هذه الوعود الأربعة فإن الوسيط سيمنح إيران بعض الضمانات التي تزيل من مخاوفها و هو الهجوم الجوي و الصاروخي ،
و تتمثل هذه الضمانات
فيما يلى :
#أتفاق عسكري بعقد صفقة صواريخ بعيدة المدي من طراز ss 300 .
#منصات صواريخ دفاع جوي كدرع يصد الصواريخ الموجهة لضمان أمن و دفاع إيران و يحد الي حد كبير من الخسائر المادية و العسكرية جراء الضربة الجوية داخل آراضي إيران.
# ليس هذا فحسب بل أكثر من ذلك هو تزويد أيران بمعلومات استخبارتية من الأقمار الاصطناعية، علي جانب كبير من السرية ،
و دقيقة عن خط سير لحركة القوات الإسرائيلية،
و رصد تمركزها علي الأرض ،
و الأخطر من ذلك إخطار إيران بموعد و تاريخ و إتجاه سير الطائرات قبل إقلاعها من قواعدها لتكون إيران في كامل جاهزيتها ،
و الإستعداد الكامل للتصدي للهجوم الجوي بالطائرات القتالية لدولة الإحتلال قبل دخولها المجال الجوي الإيراني، بوقت قصير.
و السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هل الأطراف الثلاثة نفذوا ما تم الوعد به و الإتفاق عليه في هذه الصفقة السرية .
و قبل الإجابة علي هذا التساؤل علينا أن نعرف أولا من هو هذا الوسيط الذي كان له دور كبير في وئد الأزمة في مهدها،
و تجنب منطقة الشرق الأوسط في الدخول في نفق مظلم،
و تصعيد عسكري لا نهاية له ، هذا الوسيط اشبه بالدور الذي يلعبه في أفلام هوليود الأمريكية بأسم العميل السري مستر × و هي شخصية تعمل في الخفاء ،
و في إطار من السرية و يعمل من وراء الكواليس ،
و في الظل، يقوم بمباحثات و مندوب إتصال و قوة تأثير ،
و إقناع بالإضافة الي التنسيق كما أنه ليس هناك ما يمنع من الدخول في عقد صفقات لتحقيق مصلحة مقابل هذه الوساطة ،
كما أنه يعمل دور الضامن لتنفيذ ما يتم الإتفاق عليه،
هذا الوسيط مفاجأة كبري من العيار الثقيل هذا الوسيط هو “الرئيس بوتن ”
لا أحد يمكن أن يتوقع هذا الوسيط و روسيا المعروف عنها أنها عدو الولايات المتحدة و دول الناتو منذ حرب روسيا ضد أوكرانيا، بالإضافة الي أن العلاقات بين روسيا ،و دول الناتو متوترة ،
و مضطربة ،
و لا تزال، لكن كما ذكرت المصلحة ،
و السياسية تضرب عرض الحائط بكل المواثيق ،
و العهود الدولية بين الدول.
و قد نجح بوتين و هو حليف و داعم لإيران بكل ما هو ضروري في تفويت الفرصة لإسرائيل لضربها المفاعلات الذرية و المنشآت البترولية و هو ربما يكون الإتفاق الوحيد الذي حققه الوسيط الروسي في تنفيذه بنجاح.
فقد خالفت دولة الإحتلال الخطة التي كان متفق عليها في تحديد المواقع العسكرية الأربعة المستهدف تدميرها في الهجمة الجوية لطائرات آل F15/ F16 F35/ وكان عددها 100طائرة التي لم تدخل المجال الجوي الإيراني، و هي تعتبر أولي المفاجأت التي تمت في تعديل خطة الهجوم الجوي الذي تم علي 3 موجات:
الموجة الأولي نجحت طائرات دولة الإحتلال من دخول المجال الجوي المفتوح السوري و العراقي
و نجحت في تدمير منصات الصواريخ ،
و مركز رصد الطائرات ،
و قواعد الدفاع الجوي،
و الرادارات السورية ،
و العراقية ،
مما مكنها من الدخول في الأجواء الجوية بكل سهولة .
الموجة الثانية : ضربت الطائرات أربع قواعد عسكرية إيرانية وصفت بأنها مصانع صواريخ إستراتيجية باليستية بعيدة المدي تستخدم في قذف عمق دولة الإحتلال كما تم تدمير مصانع الوقود الصلب الذي يدخل في صناعة تلك الصواريخ.
الموجة الثالثة :
تدمير القواعد الصاروخية علي الأراضي الإيرانية دون أن تدخل المجال الجوي الإيراني، حيث أن التقارير العسكرية أفادت أن المدي الصاروخي للطائرات كان كافيا في تحقيق الأهداف المحددة لها دون إطلاق أي دفاعات جوية أو صواريخ إيرانية علي الإطلاق .
و نجحت دولة الإحتلال في تنفيذ الأهداف المحددة لها في الضربة الجوية لدولة الإحتلال و عادت الطائرات الي قواعدها سالمة بدون أي خسائر.

أذن نخلص من ذلك أن الأهداف المتفق عليها بين الولايات المتحدة و إيران بوساطة روسية قد نفذتها دولة الإحتلال ووصفتها و أطلق عليها “ضربة محدودة للغاية”
وذلك دون المساس بالمفاعلات الذرية،
و المنشآت البترولية ،
و هو الخط الأحمر ،الذي حددته إيران في عدم تجاوزه.

نخلص مما تقدم أن لعبة السياسة و المصالح هي التي تحكم العلاقات بين الدول حتي ،
و لو كانت بينهم خلافات جوهرية،
و عميقة قد تصل الي حرب كما هي العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ،
و روسيا و هي علاقة يشوبها توترات ،
و خلافات جيوسياسية عميقة ، فالصديق لن يظل صديقا للأبد ،و لن يظل عدوا دائما ،
و قد يصبح العدو صديق ،
و الصديق عدو، و يمكن تتغير أصول اللعبة
و ترتيب أطرافها حسب مقتضيات الظروف ،
و الأوضاع ،
و أتجاة المصالح فبعد أن كان الرئيس الروسي بوتين عدوا تحاربه الولايات المتحدة،
و حلفاؤها من دول الناتو، أصبح في وقت ما صديق لا غني عنه بل أن تواجده ضرورة ملحة، و ربما قد يصبح هو الوحيد الذي بيده الحل للأزمة.
الجدير بالإشارة إليه أن الأمور لم تنتهي عند هذا الحد فبعد الإنتهاء من الضربات المتبادلة بين إيران و دولة الإحتلال ،
ساد الإعتقاد في العالم أن هذه هي النهاية التي ترضي كل الأطراف، غير أنه و بعد 48 ساعة من الضربة الجوية لدولة الإحتلال ضد إيران التي تمت في شهر أكتوبر الماضي،
أعلنت إيران أنها ستحتفظ بحقها في الرد علي دولة الإحتلال في الوقت و المكان التي ستحدده وصفته بالرد المؤلم ،
و ذلك وسط ذهول،
و إندهاش من المجتمع الدولي من هذا البيان الرسمي الذي جاء علي لسان خامنئي الرئيس الايراني نفسه .
و سبب هذا البيان المفاجئ من إيران هو أنه رغم عدم تحقيق أي أضرار جسيمة من الهجوم الجوي المحدود لدولة الإحتلال كما هو المتفق عليه مسبقا بفضل وساطة الرئيس الروسي بوتين و موافقة الولايات المتحدة ،
و إيران و دولة الإحتلال.
و أعتقد في رأي أن السبب هو أن إيران قد فقدت الثقة و المصداقية للدول محل الإتفاق فقد شعرت إيران بأنها وقعت في “فخ” فأصبحت إيران لا تثق في الولايات المتحدة ،
و لا حتي الدولة الحليفة ،
و الصديقة،
و هي روسيا، و لم يعلم أي أحد من المراقبين ،
و المحللين الي أي مدي ستصير الأمور و تحديدا بعد وصول الرئيس المنتخب ترامب الي البيت الأبيض بعد نجاحه في نتائج الإنتخابات الأمريكية مؤخرا فالجميع مترقب و العالم منتظر كيف سيتم تعامل الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب في الملفات التي لا تزال مفتوحة و هي ملفات اقل ما يمكن تسميتها بالملفات الثقيلة و المعقدة و الشائكة.
و لا يسعنا الإ الإنتظار لنري ما سوف يحدث في حقول الألغام التي تكون في إنتظار الرئيس الأمريكي المنتخب.
و في النهاية إن غدا لناظره قريب.

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock