
تتعرض السنة النبوية المشرفة وخاصة صحيح البخارى فى هذه الآونة إلى هجمات شرسة وعدوان صريح.ولما كان صحيح البخارى أصح كتاب بعد كتاب الله كان العدوان عليه والتشكيك فيه، عدوانا على السنة كلها وتشكيكا فى جميع أحاديثها وهى المصدر الثانى للتشريع الإسلامى، وبها يفهم القرآن وتعرف تفصيلات أحكامه، أى أنه عدوان على الاسلام كله، لقد زعم بعض الآثمين أن فى أحاديث صحيح البخارى عددا كبيرا من الأحاديث التى لا يستعينها فكرهم، وعقولهم ولم يفهموا معناها، لأنهم لم يقرأوا شرحها فى كتب الشروح، ولم يسألوا عنها أهل الذكر. والذين زعموا أن فى «صحيح البخارى» وهو أصح كتاب بعد كتاب الله بعض الأحاديث الضعيفة رأوا ما يأتى:
ثانيا: كان حكمهم على الأحاديث نابعا من أهوائهم وليس عن منهج علم
وللرد على هذين السببين اللذين دفعا المعتدين على السنة، أقول وبالله تعالى التوفيق:
إن زعمكم بأن الأحاديث لا تتماشى مع عقولكم ولم تستسيغوا معناها زعم باطل نشأ بسبب أنكم لا علم لكم بالأحاديث ولا بمعناها، فلستم أهل العلم ولا من المتخصصين فى علم الحديث النبوى الشريف، فلو أنكم من أهل العلم أو حتى لو كلفتم أنفسكم النظر فى كتب شروح الحديث أو سألتم بعض أهل العلم لعرفتم بيقين، ولعلمتم علم اليقين أن كل مافى صحيح البخارى صحيح وليس فيه حديث ضعيف.
إن الحكم على صحة الأحاديث ليس بالأحكام المشبوهة الصادرة عن عقول لا تستسيغ معناها لأنها تجهلها ولا علم لها بها وإنما الحكم على صحة الأحاديث يكون بمقاييس علمية ومناهج دقيقة وقواعد عميقة.
وأما زعمهم الآخر الذى صدر عن أهوائهم وليس عن منهج علمى، فذلك لأنهم ليسوا من أهل العلم ولا التخصص فى علوم الحديث فلعبت برؤوسهم الأهواء المشبوهة فزعموا ـ بدافع الهوى والتعنت ان فى صحيح البخارى أحاديث ليست صحيحة ولو أنهم حكموا ضميرا حيا وعقلا سليما، وسألوا، أهل الذكر ورجعوا للحق ما كانوا ليدعوا هذا الادعاء الباطل والظالم، لأن صحيح البخارى أصح كتاب بعد كتاب الله بحق، وما كان لجمهور علماء الحديث يتفقون على هذا إلا لأنهم رأوا أن مقاييس الصحة فى هذا الكتاب لا تعادلها مقاييس فى أى ثقافة فى الوجود.
وقد اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى الصحيحان ـ صحيح البخارى وصحيح مسلم ـ للامامين الجليلين: البخارى و مسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وازدهرت بهما رياضة السنة النبوية فى سائر القرون، وقد التزم كل واحد من هذين الامامين أن يخرج فى كتابه الاحاديث الصحيحة فهما إذن مشتركان فى الصحة وفى أعلى درجات الصحة.
وأما الآخر من أصحاب الزعم الباطل فهو جاهل بحقائق علم الحديث، ويتبع أصحاب الهوى والزيغ، فلا علم له ولا دراية عنده و ماهو إلا تابع لأهل الزيغ والضلال.
ومما زاد الأمر سوءا أن بعض هؤلاء رأى أن الحكم بالصحة أو عدمها يرجع إلى ما يمكن أن يقبله العقل أولا يقبله. مع العلم بأن العقول تختلف فى حكمها وفى معرفتها وكثير من العقول لا يمكن أن تستوعب بعض الأحاديث ولا يرقى فهمهم إليها فيحكمون عليها بالضعف مع أنها فى أعلي درجات الصحة.
هذا وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء عنه، مادام قد ثبتت صحته واسناده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لان رب العزة سبحانه وتعالى قال: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر» سورة النساء (59). وقال الله تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا» سورة الحشر (7).
وقد امتن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أنزل عليه القرآن ليشرح ما جاء فيه للناس ويظهر المراد منه فقال الله تعالى: «وأنزلت اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» وروى المقدام بن معد يكرب قال: «حرم النبى صلى الله عليه وسلم أشياء يوم خيبر منها الحمار الاهلى وغيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثى فيقول: بينى وبينكم كتاب الله فما وجدنا منه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله].
ولابد أن يكون الأمر معلوما للمتطاولين على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والذين حاولوا ـ عبر بعض مقالات ـ وبعض الفضائيات ـ أن يردوا الأحاديث النبوية الصحيحة، بادعاء فهمهم واستساغتهم لها ليكن معلوما لهم بأن رد الأحاديث الصحيحة وادعاء أنها ضعيفة، من أخطر ما يكون، لأنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الكذب كما يكون بادخال ماليس من الحديث فى الحديث يكون أيضا برد ماهو صحيح وادعاء أنه غير صحيح فكلاهما كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله الوعيد الشديد حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وقال عليه الصلاة والسلام: «من قال على مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار. وإنى أوجه نداء من القلب إلى الذين جهلوا أو تجاهلوا، فدفعهم جهلهم أو تجاهلهم إلى موقفهم الآثم من حديث خاتم الانبياء والمرسلين أقول لهم: يا أيها الناس توبوا الى الله وارجعوا الى الحق، واعلمو ان تكذيبكم للحديث الصحيح يوقعكم تحت طائلة الوعيد الذى يصيب كل من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتعالوا إلى كلمة سواء ونحن على أتم الاستعداد لبيان معانى الأحاديث التى لم تفهموها.
كما أوجه نداء آخر الى الذين أتاحوا لهؤلاء الآثمين صحفهم أو قنواتهم فأقول لهم: لا تتيحوا لأهل الباطل نشر باطلهم حتى ولو كانت نواياكم حسنة، لأن الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله.