جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى
* شارع بورسعيد ( حالياً ) الخليج المصرى ( سابقاً ) أو ( خليج أمير المؤمنين ) كان قد تحول إلى ممر مائى فرعونى .. فهذا الشارع يعتبر من أهم و أطول شوارع القاهرة المحروسة فهو يبدأ من ميدان فم الخليج إلى مدينة الخصوص ماراً بالسيدة زينب – درب الجماميز – الحلمية – برك الفيل – عابدين – باب الخلق ومديرية أمن القاهرة – فمتحف الفن الإسلامى – الموسكى – فباب الشعرية – الظاهر والسكاكينى – وغمرة ومهمشة ثم الزاوية الحمراء.
* هذا الشارع يقص لنا حكايات كثيرة عن أيام مضت وعن تاريخ ولي وانقضي فهو لم يكن شارع تجوبه السيارات والدواب ويتجول فيه المارة سيرا على الأقدام كما نفعل اليوم بل كانت تشقه مراكب وقوارب التنزه الصغيرة وتعبره المارة من خلال قناطر وجسور بنيت فوقه على مسافات متقاربة إلى حد ما
* والخليج المصري هو أحد المجاري المائية الصناعية التي شقها المصريون لتساعدهم على ري الأراضي الزراعية البعيدة عن مجرى نهر النيل ولم يكن للخليج المصرى ضفاف وكورنيش للتنزه فقد كانت البيوت تطل عليه مباشرة غاطسة في الماء كما نرى في مدينة البندقية الإيطالية كما يسميها العرب أو مدينة فينسيا والمسماة بالمدينة= العائمة أو مدينة أمستردام العاصمة الهولندية.
* وقد حمل هذا الخليج أسماء كثيرة وعرِف بها وفاءا لكل يد ساهمت فيه وطورته إلا أنه يبقى في النهاية يحمل إسم الخليج المصري حيث ترجع بداياته إلي العصر الفرعوني خلال حكم الملك نخاو بن أبسماتيك وهو من ملوك الأسرة الفرعونية السادسة والعشرين عندما بدأ في أعمال الحفر لهذا الخليج ولكن لم يتم العمل في عهده وحاول من جاءوا بعده إستكماله حتي إكتمل في عهد بطليموس الثاني في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد فكان أن أطلق عليه خليج بطليموس ومن بعده كان الحكام يعيدون الحفر ويطهرون قاعه من الرواسب وأحيانا يغيرون مكان فم الخليج أى المكان الذى يبدأ عنده الخليج من نهر النيل ومن أشهر من أعاد الحفر كان الإمبراطور الروماني تراجان ولذلك أطلق عليه بعدها خليج تراجان.
* ولما جاء الفتح الإسلامي لمصر في القرن الأول الهجرى الموافق منتصف القرن السابع الميلادى عام 21 هجرية الموافق عام 642م علي يد القائد العسكرى الداهية والصحابي الجليل سيدنا عمرو بن العاص خلال خلافة أمير المؤمنين الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين تمت تسميته خليج أمير المؤمنين.
* وبعد إنشاء القاهرة في العصر الفاطمي سمي الخليج بإسم خليج القاهرة ثم سمي بعد ذلك الخليج الحاكمي نسبة إلى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ولما تطورت المدينة وضم عمرانها مدينتي العسكر التي بناها العباسيون والقطائع التي بناها أحمد بن طولون ثم إمتدت لتشمل مدينة الفسطاط العاصمة الأولي لمصر الإسلامية والتي بناها الصحابي الجليل ومحرر مصر من الرومان عمرو بن العاص وصارت مدينة واحدة عرفت بإسم مصر القاهرة في القرن الثالث الهجري الموافق للقرن التاسع الميلادي أصبح إسمه الخليج المصري.
* وكان يخرج من النيل جنوب شارع القصر العيني الحالي وعرف هذا الجزء بإسم فُم الخليج وهو إسم منطقة سكنية حاليا وإتجه مجرى الخليج نحو الشمال الشرقي ثم يأخذ في الإنحناء حتى يصل إلى ميدان السيدة زينب الآن ثم درب الجماميز أمام المدرسة الخديوية ليصل إلى باب الخلق ثم إلي باب الشعرية ثم إلي الحسينية بالقرب من جامع الظاهر بيبرس بحي الظاهر ثم يجري بين المزارع خارج القاهرة إلى الزاوية الحمراء والأميرية والتى أصبحت بعد ذلك مساكن .. ثم يتجه مجرى الخليج إلى خارج القاهرة ليمر بمدينة الخصوص بمحافظة القليوبية حاليا ثم يمر جزء من مجراه بموقع مجرى ترعة الإسماعيلية الحالية التي تمد الآن منطقة قناة السويس بالمياه العذبة ثم يمتد المجرى ليمر بالقرب من مدن بلبيس والعباسة والتل الكبير وسرابيوم ثم يصب في بحيرة التمساح والبحيرات المرة التي كانت متصلة بخليج السويس والبحر الأحمر في الأزمنة القديمة وذلك قبل إنحسار خليج السويس إلي موقعه الحالي وبذلك كان للخليج المصرى دور كبير في في الملاحة التجارية بين وادى النيل والبحر الأحمر.
* وأيضا كان يطلق عليه إسم الخليج الكبير تمييزا له عن خليج آخر أصغر منه هو الخليج الناصرى الذى تم حفره في زمن الدولة المملوكية خلال عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عام 725 هجرية الموافق عام 1325م والذى كان يستخدم في تزويد البرك والحدائق المتواجدة بكثرة حينذاك في القاهرة بماء النيل اللازمة لريها خاصة في وقت الفيضان ومن أشهر تلك البرك بركة الأزبكية وبركة الفيل وبركة الرملي وكان يبلغ طول الخليج كامل محيط حدود مدينة القاهرة الكبرى وهو 46.2 كيلو متر ويبلغ عرضه في بعض الأماكن خمسة أمتار فقط ويتسع في أماكن أخرى فيصل عرضه إلى خمسة عشر مترا وكان إرتفاع الماء به في أيام الفيضان خلال شهر أغسطس وسبتمبر من كل عام يصل إلى ما يقرب من ستة أمتار وكان الخليج المصري والبرك المحيطة به مركز جذب نموذجي للسكن على ضفتيه فتسابق الميسورون والأغنياء والأعيان من أهل القاهرة على شراء الأراضي المطلة عليه وقاموا ببناء البيوت وتزيينها وألزمتهم الحكومة بمسؤولية تنظيف الخليج وتنقيته وتطهير مجراه من العوالق بحيث ينظف كل ساكن من السكان أمام منزله أما العامة من الشعب وغير القادرين على السكن على ضفاف الخليج فكان بإستطاعتهم التمتع بمنظره والتنزه فيه وحضور المهرجانات والحفلات والمسامرات التي تقام حوله في أيام الأعياد والمواسم والمناسبات والعطلات.
* وبخصوص عبور ضفتي الخليج فكان من خلال مجموعة من القناطر وصل عددها إلي ما يقرب من 16 قنطرة أو أكثر أنشئت في فترات زمنية مختلفة بعضها يرجع إلى العصر المملوكي والأخر إلى العصر العثماني وكثير منها شيده الأهالي أيضا لتسهيل العبور أمام منازلهم أما من حيث أسماء هذه القناطر فبعضها نسبة إلى مشيدها أو إلى المكان الواقعة فيه أو إلي الشارع العمودي علي مجرى الخليج والذى تؤدى إليه القنطرة من أحد الإتجاهين كما إستمر بناء القناطر على الخليج المصري في عصر أسرة محمد علي باشا ومن هذه القناطر قنطرة شاهين باشا الواقعة بين قنطرة عمر شاه وقنطرة درب الجماميز وأيضا قنطرة الموسكي وقنطرة السد وقنطرة الأميرية وقنطرة السباع وقنطرة الخروبي وكذلك قنطرة ثابت باشا وقنطرة الأمير حسين وقنطرة بين السورين الواقعة بين قنطرة الموسكي وقنطرة الشعراني وقنطرة سكة حديد السويس الواقعة بين قناطر الأوز وقناطر بني وائل.
وقد ظل الخليج المصري يؤدي الغرض منه في الملاحة التجارية بين وادى النيل والبحر الأحمر وري الأراضي الزراعية وفي تزويد سكان القاهرة بمياه الشرب وظل الخليج يجري داخل مدينة القاهرة وضواحيها فالخليج المصري إذن يعتبر صفحة حية شاهدة على تجربة مميزة عاشتها مصر المحروسة ولكنها لم تستمر إلى اليوم وذلك نتيجة للإهمال وعدم التطهير خاصة بعد إفتتاح قناة السويس للملاحة عام 1869م وأيضا إنشاء شركة مياه القاهرة في عصر الخديوى إسماعيل ومدّ أنابيب المياه النقية إلى العديد من أحياء القاهرة وأيضا نتيجة لسلبيات وسوء سلوك بعض الأهالي تجاه الخليج من إلقاء القاذورات والقمامة والمهملات.
* في شهر فبراير عام 1897م صدر قرار بردمه محافظة علي الصحة العامة وإستغلال مساحته في تسيير خطوط الترام الجديدة التي تم إنشاؤها في القاهرة خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادى وأوائل القرن العشرين الماضي لربط أحياء القاهرة ببعضها البعض بوسيلة مواصلات سريعة ورخيصة خدمة لأهالي المحروسة وخاصة في الفترة بين عام 1896م وعام 1898م.
********************
إعداد لحق المعرفة بعظمة مصر وجمالها وريادتها من زمن جميل فات .. وليعرف شبابنا أن الحفاظ على ثقافتنا ونتاج أجدادنا أمر واجب النفاذ عن طريق التوعية بتغيير السلوكيات والتى نحن فى حاجة إليها الآن.
مع تحياتى : فاروق شرف