فرح قلبى قصة قصيرة بقلم فاطمة الزهراء

حركة غريبة انتبهت لها وأنا أغادر البيت نحو معهدي…تبين لي وأنا أتقدم خطوات أن جارا جديدا سيسكن البيت المقابل لنا،والعمال بصدد إنزال الأثاث من العربة الضخمة…
وذات يوم إجازة أسبوعية، فتحت نافذة غرفتي،فشاهدتها…بنت جميلة كقمر مشرق ،غزتني..ولم تتفطن لوجودي ولا لما حدث لي…وهي تضع أصيص الزهر على شرفة البيت.. ثم سقت ورودها لتطفئ عطشها، وتوقد في قلبي نارا وهاجة، زاد تأججها دخولها البيت ولم تحس بوجودي، ولا بالخلل الذي حدث بداخلي.
كدت يومها أرابط في النافذة ، لولا نداءات أمي المتكررة…التي قطعت علي مراقبة هذا البيت الذي غيرت ساكنته
بوصلة حياتي في رمشة عين…واستولت على عقلي وقلبي في ثانية من الزمن… يومها انتابني ارتباك لاحظه الجميع لكنني حاولت كبح جماح مشاعري.. وكتمت سري في فؤاد قد مسته رعشة لا يدرك فحواها إلا من أصابه ما أصابني… واختلج كل ما بداخلي واشتدت علي وطأة الموقف، فاختلط في داخلي وهج الانتظار القاتل ببرد الأمل الذي كان يبعث لي بهمسات طمانة من حين لآخر…ولم أدر كيف مر يومي…وهلل قلبي لقدوم المساء…لأعود إلى المرابطة أمام النافذة أسأل دارها طلة،او نظرة تعيد إلى توازني.
لكن خيبة الأمل كانت ترافقني كلما فتحت النافذة…وركزت لبعض الدقائق على شرفتها…فإذا البيت منير.. والنوافذ موصدة…
جلست إلى مكتبي ..أنجز فروضي..فإذا صورتها بين الصفحات..وهمسها في الأحرف والكلمات،وضحكاتها في صرير قلمي….وبين صداع ومقاومة،غلبني النعاس، ولم أستفق إلا على صوت أمي توقظني لأنتقل إلى فراشي…وأرتمي في أحضان أحلام جميلة تهدهد فؤادي وجفوني فبت ليلتها سابحا.. أو محلقا أو متأرجحا بين أجنحة الرؤى الممتعة…
نهضت على غير عادتي مبكرا، وقد سبقت شروق الشمس…وسارعت للنافذة أملأ رئتي من رؤية الشرفة …شرفة الحبيبة التي لم تفارق إطلالتها ذهني لا في يقظتي ولا في حلمي..ولا في هذياني …
ولم تمض نصف ساعة إلا وأنا جاهز بين حيرة أمي التي كنت أرهقها كل صباح …فتوقضني أكثر من مرة..وأعود للنوم ثانية….
قالت ضاحكة:-“هذه علامة من علامات قيام الساعة،أحمد ينهض قبل أفراد العائلة؟لا أصدق”.
أجبت متظاهرا بالحزم والجدية:الاختبارات على الأبواب ولا بد من شد الحزام يا أمي.
نظرت إلي نظرة المتظاهر بتصديق ما قلت… فهي تعرفني أكثر من نفسي… ولمحت في عينيها بعض قلق …لكنني خفت من استنطاقها لي إذا استفسرت منها سبب حيرتها…خوفا من استجواب بوليسي يضيع علي ما انا منتظره…
تظاهرت بالالتزام والرصانة.. رغم أن قلبي يكاد ينط من بين جنبي.ونزلت السلم درجة درجة.وعيناي تمرران مسحا شاملا على البيت المقصود وما جاوره…والطريق لعلها تكون سبقتني بالخروج…الخروج إلى اين؟ هل هي تلميذة مثلي؟أم تشتغل؟ لا أظن أنها كذلك فهي تبدو في سني.أسئلة شوشت ذهني،ولكنني طردتها بسرعة ووقفت في الزقاق المعامد لنهج بيتنا حتى لا يراني أحد من أهلي…وظللت أنتظر خروجها … كان المغادر الأول هو والدها ..إذ فتح المستودع وأخرج سيارته،فكاد يغمى علي خشية أن يقوم بايصالها إلى مقصدها ولا أقدر على رؤيتها والتودد إليها… لكن السيارة انطلقت ولم يركب معه أحد..فعاد إلي صوابي… وهان الترقب رغم احتراقي في انتظار الموعد.
لم يعد يهمني أن يفوتني موعد المعهد…فانتظار هذه الجميلة أهم من كل المواعيد… فبيدها قتلي أو عتقي من عبودية الظنون تفتت ما بداخلي..
ومضت برهة من الزمن،فإذا الكون يشرق لينير قلبي حين أطلت فتاتي من الباب تلبس فستانا اسود اللون وتلف على شعرها شريطا حريريا أحمر كقلبي الذي ضخ ما فيه من دم دفعة واحدة ..ففقدت صوابي..وتلعثمت. و خانتني الكلمات وفرت من حلقي..فابتسمت لها..وقلت بصعوبة وتردد:”صباح الخير،مرحبا بك في حينا، أنا أحمد جاركم “.
وأشرت إلى منزلنا .منتظرا منها تجاوبا،لكنها ردت بكل برود وهي تواصل سيرها :”مرحبا تشرفت.”
أسرعت خلفها كأنما أطاردها ،باحثا عن كلمات تشدها.وقلت:”لم تقدمي لي نفسك جارتي الجميلة.”
تورد خداها ونافسا الشريطين الحريرين حمرتهما.وقالت في خجل:”اسمي فرح.
دقت طبول الفرح قلبي ،وكدت أصرخ :”يا فرح عمري،وسرور أيامي.”
وبصري منشد لمبسمها الجميل كفنجان عسل مغر أكاد أذوب فيه.
ومشينا خطوات معا ..ولم أسألها عن مقصدها فلنا نفس الطريق…وكان الحديث قليلا تقطعه لحظات تفكير ولملمة أفكار.
حتى وجدتني وإياها
أمام بوابة المعهد الكبير..وفؤادي مزهو بتجاوبها معي..وولجنا الفضاء الداخلي وكلي فخر بأنني أرافق هذه الحسناء الجميلة..شعور جميل خاصة أن كل العيون تلاحقنا ..في حين لمحت في وجهها مسحة من الشعور بالإحراج فودعتها على عجل وانا أستفسر منها وقت العودة… حتى لا تهرب مني فيحوز على ودها معجب آخر.
انكببت على الدروس انجزها وأطرد من خيالي كل ما يشغل ذهني حتى لا تفوتني أي معلومة…فتفوقي سيزيد من شأني في نظرها…كما أنني عودت أهلى على نتائج باهرة… ولي طموحات عدة ..وأحلام لا حدود لها.. انضاف إليها أجمل حلم اليوم هو الظفر بقلب فرح.
ومرت الحصة الصباحية كطيف حلم جميل في جفن طفل صغير ..وهرعت عند رنين الجرس لا ألوي على شيء ،إلا أن أملي عيني المشتاقتين بوجهها الصبوح الجميل….وفتحت لي الدنيا أحضانها حين وجدتها بالباب تنتظرني وقلق باد عليها فهل ظنت أنني غادرت دون التملي بوجهها؟فاليوم لا يكون يوما إلا بتنشق نسائم عبيرها والاستبشار برؤية محياها الساحر….
ونالني من حظ الدنيا نصيب كبير إذ تناسبت روحانا ووجدنا نفسينا روحين لا نقدر على الفراق ولا على البعاد ..وما ساعات النوم إلا هجوع ملؤه اشتياق وحنين ..ثم عودة إلى وصال متين ..فتبادلنا الأماني ،والأحلام والهمسات واللمسات والرسائل المحملة عشقا وطمانينة وحبا لا يفتر أبدا ..
وتعاهدنا على الوصال ،مهما جارت علينا الأيام .وقوي حبنا ومتن وكان العهد بيننا التزاما وثيقا .
رن الجرس ككل يوم وسبقت الفرحة خطاي …وسرحت بنظري لأراها كالعادة واقفة عند الباب الكبير تنتظرني…فلم ألمحها.. تسارعت دقات قلبي ومعها خطاي..لعلها تنتظ

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock