
جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى
الرزق يعد أكبر هموم الإنسان الدنيوية، و أكثر ما يشغله و يسعي اليه، و لطالما يبحث عنه الإنسان طوال حياته، حيث أن الرزق يدخل ضمن أولويات حاجته الدنيوية و الضرورية التي لا ينقطع الإنسان عن طلبها مادام علي قيد الحياة ، و أذكر في هذا المقام قول أبن القيم عن الرزق
” بأن الرزق و الأجل قرينان فمادام الأجل باقيا كان الرزق آتيا ”
فالرزق نصيب كل إنسان بحسب قدرته و سعته قادر علي الوفاء بمتطلبات و تكاليف الحياة .
و من المعتقدات الخاطئة أن الإنسان يفكر دائما” أن الرزق ينحصر فقط في المال ، بينما الصحة رزق ،
و العلم رزق ، و الزوجة الصالحة رزق ،و الأبناء رزق ، و الستر رزق ،
و العمل رزق ، و الأخلاق رزق ، و محبة الناس لك رزق .
و الحقيقة التي يتعين ترسيخها في عقيدة العبد المؤمن هو أن الرزق بيد الله سبحانه
و تعالي ، و قد رد الله تعالي الرزق و ربطه بالذات الآلهية، فجعل الرزق من خلقه و إرادته و بمشيئته له وحده لا إله الإ هو لا شريك له ، سواء كان الرزق في البسط ، أو التقدير،
أو في المنع ، و الأدلة علي تأكيد ذلك في نصوص القرآن الكريم كثيرة منها :
قول الله تعالي ” هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء و الأرض لا إله الإ هو فأنا تؤفكون”
فاطر آية 3 .
و قوله تعالي :
قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله ” سبأ آية 24
و قوله تعالي :
” الله الذي خلقكم ثم رزقكم ” الروم آية 4.
و قوله تعالي :
“أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ”
الروم آية 37.
و قوله تعالي :
” و له مقاليدالسماوات
و الأرض يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر عليه أنه بكل شئ عليم ” الشوري آية 12.
نفهم من هذه الآيات القرآنية أن الله تعالي أخبرنا أن رزق العباد بيد الله سبحانه و تعالي ، فهو يبسط الرزق لمن يشاء و متي يشاء و كيف شاء و له إطلاقات القدرة الآلهية علي ما يقتضيه علمه و إرادته و مشيئته سبحانه و تعالي.
اذن الرزق قد تكفل به الله تعالي بمحض حكمته و إرادته و مشيته سبحانه وتعالى.
كما نفهم من هذه الآيات أيضا أن الله سبحانه وتعالى قد أختص بأمر الرزق و تكفل به ، فالأرزاق كلها بيد الله وحده ، فهو خالق الأرزاق ، و موصلها الي خلقه ، فمن حق الله علينا أن ينسب الخلق ،
و الفضل و المنة
و الوهب و المنح لله تعالي وحده بقدرته
و إرادته و مشيئته
و حكمته واجب علينا أن نشكره عليها مصداقا لقوله تعالي:
” و لئن شكرتم لأزيدكم ”
أبراهيم آية 7.
اذن الرزق مقرون بالشكر بل و متلازمان و هو ليس تعبير منا و إنما إعتراف من العبد بفضل الله تعالي علي نعمه التي لا تعد و لا تحصى و من بينها الرزق.
و الإنسان ليس هو وحده المخاطب بمشيئة الله تعالى و قدرته ،
و إنما تمتد قدرة الله و عظمته سبحانه و تعالي بإطلاقات قدرته و خلقه علي كل ما هو دابة في الأرض فإن الله تعالي يتكفل برزقها فله ملكوت السماوات و الأرض ، و كل ما يوصف بأنه كائن حي علي سطح الأرض بل في باطن الأرض علي الله رزقها ، و في ذلك قوله تعالي :
” وما من دابة في الأرض الا علي الله رزقها و يعلم مستقرها و مستودعها كل في كتاب مبين “.
هود آية 6.
مما سبق نثبت يقينا إن الله تعالي خلق الأرزاق كلها و جعلها بيده تعالي وحده فيبسط رزقه لمن يشاء من عباده ، فيوسع عليه ، و يقدر علي من يشاء ، و يقتر علي من يشاء منهم ، فيضيق عليه ( فكان الله بعباده خبيرا ) و ذلك بحكمته تعالي و بعلمه و قدرته و خبرته فهو بعباده بصير ، فيعلم من الذي لا يصلحه السعة في الرزق حتي لا يفسد، بقوله تعالي :
” و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبيرا بصيرا”
و يعلم الله أيضا من الذي لا يصلحه الإقتار و الضيق حتي لا يهلكه ( فكان بعباده بصيرا)،
فالذي خلقهم الله و هم العباد فهو كفيل بهم ، بحكمته و تدبيره و هو بصير بتدبيرهم.
و قد نبه الله تعالي رسوله صلي الله عليه و سلم بذلك كما أشار -تفسير الطبري- عند تفسيره للآية : ” إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ” الإسراء آية 30 حيث قال محدثا الله رسوله ( إنته يا محمد الي أمرنا كما أمرناك و نهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه ، و فيمن تبسطها له ، و من كفها لمن تكفها عنه ، و تكفها فيه ، فنحن أعلم بصالح العباد منك و من جميع الخلق و أبصر بتدبيرهم ).
اذن الرزق من خلق الله وحده و مشيئته ، و ليس هناك أي مشيئة و لا إرادة للإنسان في الرزق و عندما أدعي
قارون كذبا أن ما جمعه من مال كان من علم عنده فخسف الله به الأرض و جعله آية لكل متكبر جبار و لكل من نسب الرزق لنفسه .
# تعريف الرزق
في القرآن الكريم :
لم يرد في نصوص القرآن الكريم تعريف محدد للرزق ، تاركا المجال مفتوحا لآراء علماء الفقه و التفسير للإجتهاد لتحديد صيغة جامعة مانعة لتعريف الرزق و ذلك من خلال إستقرائهم و إستنباطهم لنصوص القرآن الكريم .
و كلمة الرزق في القرآن الكريم تعد من جوامع الكلم ، بمعني أنها كلمة واحدة و لكن تحتوي في مجملها على معان لها دلالات كثيرة ، بحيث تأتي كلمة الرزق في سياق ما بمعني محدد ، و تحمل في سياق ثان بمعني آخر ، و بذلك تأتي كلمة الرزق في صياغة النصوص القرآنية بتعدد الدلالات و تعدد السياقات التي ترد فيها ، و لكل سياق معني للرزق مختلف عن معني الرزق في سياق آخر .
و لفظ ” الرزق ” ورد ذكره في القرآن الكريم في عدد 123 موضع ، بعدد 41 سورة قرآنية.
ورد في عدد 61 موضعا بصيغة [الفعل] ، و من ذلك في قوله تعالي :
” و كلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ”
المائدة آية 88.
كما ورد في عدد 62 موضعا بصيغة [الأسم] من ذلك قوله تعالي :
” و كلوا و أشربوا من رزق الله ”
البقرة آية 60.
و لقد ذكر “الرزق” في القرآن الكريم
علي تسعة أوجه :
” أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا و يدرءون بالحسنة السيئة و مما رزقناهم ينفقون”
القصص آية 54 .
و قول الله تعالي : ”
و مما رزقناهم ينفقون ” البقرة آية 3
و في قوله تعالي :
” أنفقوا مما رزقناكم ” البقرة آية 254
[2] ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني ( الطعام)
كما في قوله تعالي :
” كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ”
البقرة آية 25.
[3] ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني الغداء و العشاء .
كما في قوله تعالي :
” و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا “. مريم آية 62.
[4] و قد ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني المطر كما في قوله تعالي : ” ما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ”
الجاثية آية 5.
و كما في قوله تعالي : ” و في السماء رزقكم
و ما توعدون”
الذاريات آية 22.
[5] ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني
النفقة .
كما في قوله تعالي :
” و علي المولود له رزقهن و كسوتهن ” البقرة آية 233 .
و في قوله تعالي :
” قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده و يقدر له و ما أنفقتم من شئ فهو يخلفه و هو خير الرازقين ” سبأ آية 39
[6] كما ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني الفاكهة كما في قوله تعالي :
“كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ” آل عمران آية37.
[7] كما ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني ” الثواب” .
كما في قوله تعالي :
” و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ”
آل عمران آية 169 .
[8] كما ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني
الجنة كما في قوله تعالي :
“و رزق ربك خير و أبقي”
طه آية131.
[9] كما ورد الرزق في القرآن الكريم بمعني
الحرث و الأنعام
كما في قوله تعالي :
” قل أرءيتم ماأنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما و حلالا “.
يونس آية 59.
# سنن الله تعالي
في الرزق.
بإستقراء نصوص القرآن الكريم في موضوع الرزق يتبين أن الله سبحانه وتعالى قد وضع سنن للرزق ،لا تتغير ،
و لا تتبدل، و من إلتزم بها نال الرزق من الله تعالي:
أولا” السعي ضرورة لكسب الرزق :
واجب علي الإنسان في الرزق أن يسعي و أن يكد و يجتهد و يأخد بالأسباب ، ليحصد ما قدره الله له من الرزق ، مصداقا لقوله الله تعالي : ”
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فأمشوا في مناكبها و كلوا من رزقه” تبارك آية 15.
و الجدير بالذكر في هذا المقام ، أن العبد المؤمن عليه أن يؤمن إيمانا يقينا و جازما ، أن الله سبحانه و تعالي خلقه في الحياة الدنيا، و قد تكفل برزقه ، فتقر نفسه و تطمئن ، و تهدأ ، و لا ينشغل بتحصيل رزقه مع سعيه الدائم بالإجتهاد ، و الكد ، و الإخلاص في العمل ، لكونه مأمور من الله بذلك و هو ما يطلق عليه ( عطاء الربوبية) و مصداقا لقوله تعالي :
” في السماء رزقكم
و ما توعدون ”
الذاريات آية 22
كما يجب علي العبد المؤمن ، ألا يركن للراحة بدعوة أن رزقه مقسوم بوعد الله سبحانه و تعالي ، فيجب عليه أن يكون متوكلا علي الله لا متواكلا مصداقا لقوله الله تعالي :” و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب
و من يتوكل علي الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ” الطلاق آية 3,2.
و قوله تعالي :
” فإذا قضيت الصلاة فإنتشروا في الأرض و أبتغوا من فضل الله” الجمعة آية 10.
فطلب الرزق من عند الله ، فالسعي مطلوب وواجب علي كل إنسان فليتوكل علي الله فأبتغوا من عند الله تعالي الرزق .
مصداقا لقول الرسول صلي الله عليه و سلم ” و لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدوا خماصا و تروح بطانا ”
# ثانيا : الله تعالي يرزق من يشاء بغير حساب
مصداقا لقوله الله تعالي :
“إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ”
آل عمران آية 37
و قوله تعالي :
” الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده و يقدر ”
العنكبوت آية 62
و إذا كان الله تعالي وصف نفسه ” الرزاق” و الرازق، فهو العطاء الدائم والوهاب صاحب الجود و الكرم و قد تكفل بعباده جميعا سبحانه و تعالي سواء منهم المؤمنين أم الكافرين ، غير أن رزق الله تعالي للمؤمنين يختلف عن الرزق الذي يأتي لأي إنسان ، فقد وعد الله عباده المتقين بالطيب و الحلال من الرزق ، أما غير المؤمن فقد كفله الله تعالي و لكن يأتي منزوع البركة و الحلال مصداقا لقوله تعالي ” و من يتقي الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ” الطلاق آية 3,2.
# ثالثا : الرزق بيد الله تعالي ينزله بحكمة ، فهو سبحانه و تعالي يرزق من يشاء ، و يبسط الرزق لمن يشاء ، و يقدر الرزق لمن يشاء من عباده و ذلك بحكمته ،
و عدله ، و بميزانه فهو ولي ذلك و القادر عليه ، بل و من حكمته سبحانه و تعالي أن وضع نظام محكم في بسط الرزق ، فمن نعمة الله علي بعض الناس أن وزع عليهم الرزق بمقدار لأن الغني خطر عليهم ، إذ هو بوابة للطغيان و الفساد ، مصداقا لقوله تعالي :
” و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزل بقدر ما يشاء ”
الشوري آية 27.
فبسط الله الرزق بين السعة و الضيق حكمة من الله لأنه خبير بعباده ، و ذلك حتي تستقيم حركة البشر في الكون ، مصداقا لقوله تعالي :
“فإن الله بعباده لخبير بصير ” فاطر آية31.
فسعة الرزق ليس دليلا علي محبه الله ، و لا ضيق الرزق دليلا علي غضب الله .
رابعا : تفاوت الأرزاق:
تفاوت الأرزاق من ضروريات الحياة في الأرض ، فلابد أن يكون فيها أغنياء و فقراء ،
و فيها بين هذا و ذاك ، و الله تعالي الرزاق ، و هو تعالي مقسم الأرزاق بين عباده ، فهو تعالي الخبير الحكيم ، بحيث فضل بعضهم علي بعض في الحياة الدنيا ، مصداقا لقوله الله تعالي :
” نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ” الزخرف آية 32
فمن حكمة الله تعالي أن خلق الله تعالي العباد بدرجات متفاوتة ففضل بعض العباد علي بعض في الدنيا في مجال الرزق و العمل بحيث يكون كل منهما محتاج للآخر فلو تساوت الناس في الغني سيكون هناك خلل ، و لم يحتاج بعضهم الي بعض في العمل أو الحرفة أو المهنة ، وسيؤدي ذلك الي تعطل في المصالح و المنافع في الحياة ،فكل من الفقير و الغني كل منهما يحتاج الآخر .
و غني عن البيان ، أن حكمة الله تعالي في تقسيم الرزق بين الناس أنه سبحانه و تعالي لو وسع الرزق علي جميع عباده و زادهم من فضله الكثير ، و أعطاهم فوق حاجتهم لطغوا و ظلموا و تكبروا في الأرض ،
و فعلوا ما يوصف بالفساد في الأرض ، و لكن جلت حكمة الله تعالي في خلقه بأن يرزقهم الله تعالي من الرزق ما يختاره لما فيه صلاحهم ، و هو أعلم بذلك سبحانه و تعاله بتقدير محكم فيوسعه علي من يشاء ، و يضيقه علي من يشاء ، تبعا لما أقتضت حكمته تعالي.
و علي العبد المؤمن أن يعلم جيدا أن كل رزق رزقه الله إياه ، و كل رزق حرمه الله تعالي منه هو خير له في جميع الأحوال ، فقد يكون كثرة المال أو ضيق الرزق فتنة له.
# خامسا : الرزق ينمو بالطاعة و يمحي بالمعصية :
الرزق يرتبط وجودا و عدما إرتباط وثيق بالطاعة ، فكلما ذادت طاعة الله بارك الله فيه كثيرا ، و الرزق يمحي بالمعصية ، فلا بركة في الرزق الإ بإلتزام الطريق المستقيم الذي حدده الله تعالي للعباد لأن ما عند الله تعالي لا ينال الإ بالطاعة ، فليس المهم هو كثرة الرزق في حد ذاته و إنما الأهم هو البركة في الرزق .
مصداقا لقول الله تعالي:
“ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ” الروم آية 41.
و قوله تعالي :
” و لو أن أهل القري آمنوا و أتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ”
الأعراف آية96
و قول الله تعالي :
” و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ”
النحل آية 112
سادسا : الرزق إبتلاء للناس:
قد يكون بسط الرزق و سعته لبعض الناس إبتلاء في حد ذاته ، ليختبر الغني في غناه ، ماذا سيكون رد فعله. هل سيشكر الله تعالي علي فضل رزقه ، أم يكون من الجاحدين أو الساخطين، بينما يختبر الفقير في صبره و مدي تحمله إبتلاء الله .
مصداقا لقوله تعالي:
” فأما الإنسان إذا ما إبتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن و أما إذا ما إبتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن.”
الفجر آية 15-18
سابعا : الرزق مكفول للجميع :
الله تعالي كتب الرزق في اللوح المحفوظ ، فالرزق كفله الله للجميع مكتوب و مقدر و أقسم الله تعالي بنفسه الكريمة أن ما وعدكم به حق ، فلا محل للقلق ، و لا داعي للهم ، و شغل البال و التفكير و الشكوي .
مصداقا لقوله تعالي :
” و من دابة في الأرض الإ علي الله رزقها و يعلم مستقرها و مستودعها كل في كتاب مبين ”
هود 6.
و قوله و تعالي :
و كأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها
و إياكم”
العنكبوت آية 60.
و قد يتأخر الرزق أو الخوف من فواته فذلك من عمل الشيطان مصداقا لقول الله تعالي:
“الشيطان يعدكم الفقر”
البقرة آية 268.
فالشيطان يظل يوسوس في عقل بعض العباد ، و يقيم هاجس دائما في ذهنهم حتي يزرع الخوف ، و القلق علي الرزق ، بينما العبد المؤمن علي يقين دائما بأن الرزق من عند الله تعالي هو الخالق و هو الرزاق العليم ، مصداقا لقول الله تعالي :
” قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر و لكن أكثر الناس لا يعلمون ” سبأ آية 36
ثامنا: بركة الرزق خيرا من كثرة الرزق :
هناك بعض من الناس من لديهم ثروات مادية كبيرة يتم جمعها من الحلال و الحرام ، لكنهم يعيشون فتن و محن كثيرة ،فلا يدركون الإنتفاع بما رزقهم الله ، و لا يستمتعون بالخير الوفير منه ، و هناك بعض الناس من يملكون رزقا بسيطا و حلالا ،
و يعيشون في هناء و سعادة ، فالعبرة ليست بكثرة الرزق ، و إنما العبرة ببركة الرزق .
و صدق الله تعالي فى قوله:
” قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث فأتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ”
المائدة آية 100
تاسعا: الرزق الحلال الطيب خير من الرزق الحرام الخبيث :
يجب أن يكون الرزق مصدره من حلال طيب مهما كان قيمته و لو كان صعبا أو يحتاج الي جهد و عرق في الحصول عليه خيرا من الرزق الذي يكون مصدره حرام و لو كان سهلا و كثيرا ، فتساهل العبد في أكل المال الحرام ، تمحق منه البركة ، و لا تحل الإ بالطيب الحلال من الرزق . و الله يأمرنا أن يكون مطعمنا أو رزقنا مصدره من حلال طيب .
مصداقا لقول الله تعالي:
” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم و أشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ”
البقرة آية 172.
و العبد المؤمن عليه أن يتحري المال الذي يتحصله إن كان مصدره من حلال أم من حرام و يتجنب شبهات الحرام ، و التوبة من المعاصي و الذنوب ، فالحلال بين و الحرام بين .
و صدق الله العظيم إذ قال و قوله الحق :
” كذلك يضرب الله الحق و الباطل فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال .” الرعد آية 17.
أنواع الرزق :
أولا: الرزق المضمون :
فأرزاق العباد في السماء و الأرض ، أما مكان ووقت رزق كل عبد بعينه لا يعلمه الإ الله .
فالرزق نوعان : رزق طالب ، و رزق مطلوب ، فالرزق الطالب يطلبك أينما كنت ، و الرزق المطلوب تطلبه بأسباب أينما كان ، و هذا الرزق لا يحصل عليه الإ بسعي منه ، و رغم ذلك فهو رزق غيبي ، لا يعلمه الطالب لا كما ولا كيفا ولا زمانا و لا مكانا و لا مقدارا الا أنه رزق مضمون و قد ضمنه الله للعبد.
و من ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
الرزق نوعان : رزق يطلبك و رزق تطلبه ، أما الذي يطلبك فسوف يأتيك و لو علي ضعفك ، و أما الذي تطلبه فلن يأتيك الإ بسعيك و هو أيضا من رزقك .
فالأول فضل من الله .
و الثاني عدل من الله.
و قال الله تعالي :
” و لقد مكناكم
في الأرض و جعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون” الأعراف
آية 10
فالرزق من الأمور الغيبية التي لا يعلمها الإ الله علام الغيوب لقوله تعالي :
” إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى ارض تموت ان الله عليم خبير”
لقمان الآية 34.
و قال أبن تيمية في ذلك قولا حكيما إذ قال الأسباب التي يحصل عليها الرزق هي جملة ما قدره الله و كتبه للعباد ، فإذا كان سبحانه وتعالى قد كتبه للعبد فإنه يرزقه بسعيه و إكتسابه ، و ألهمه الله السعي و الإكتساب.
و هذ الرأي أيده الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي يرحمه الله في رأيه عن الرزق و أضاف أن الرزق كل ما ينتفع به الإنسان سواء مباشر أو غير مباشر و سواء كان ماديا أو معنويا ، و أضاف فضيلته أن الرزق دائما يبحث عن العبد أينما ذهب و أينما كان فهو يعرف عنوانه جيدا، و لو صبر العبد لكان الرزق يطلبه . مصداقا لقول الرسول
صلي الله عليه و سلم :
” إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله “.
ثانيا : الرزق المقسوم :
كل شئ من خلق الله تعالي الي يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، لأن الله سبحانه و تعالي أول ما خلق القلم ، قال له : أكتب قال : ربي و ماذا أكتب ؟ قال : أكتب ما هو كائن ، فجرى في تلك الساعة ما هو كائن الي يوم القيامة ، و ثبت عن النبي صلي الله عليه و سلم أن الجنين في بطن أمه إذا مضي عليه أربعة أشهر ، بعث الله إليه ملكا ينفخ فيه الروح ،
و يكتب له رزقه ، و أجله ، و عمله ، و شقي أم سعيد ، و الرزق أيضا مكتوب ، لا يزيد ، و لا ينقص ، و لكنه سبحانه و تعالي قد جعل له أسبابه يزيد بها و ينقص ، مصداقا لقوله تعالي :
” هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فأمشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور ”
تبارك آية 15.
و قال رسول الله صلي الله عليه و سلم:
و أعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشئ. لم ينفعوك الإ بشئ قد كتبه الله لك ، و لو أجتمعوا علي أن يضروك بشئ لم يضروك الإ بشئ قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام و جفت الصحف.
و إن ما يحصل في الكون إنما يحصل بقضاء الله و قدره ،
و من ذلك الرزق،
# و هكذا خلق الله تعالي الخلق ، و قسم بينهم أرزاقهم ، فتجد منهم الفقير الذي لا يجد ما يكفيه قوت يومه ، و تجد منهم المسكين، و منهم العفيف الذي لا يعرفه أحد و لا ينتبه لأمره أحد ، و آخرهم الغني الذي يملك قوت يومه و كفايته، و الغني علي مراتب ، فمن الأغنياء من لا يملك زيادة في رزقه عن حاجته الإ الشئ اليسير ، و منهم من يملك المال الكثير الي يزيد عن حاجته ، فيتمتع بالرفاهية في حياته و يكون أبعد ما يكون عن حفظ ماله ، و منهم من يغرق في الفائض عن ماله ، فيكسبه ذلك جاها و منصبا رفيعا بين الناس ، فيخضع الناس لأمره ، و ينتهون لنهيه ، و يتسابقون لكسب وده ، و مع ذلك يبقي قلقا خائفا من زوال ماله ، فلا يهدأ له بال ، و لايزول عنه الهم لكثرة الإنشغال بالدنيا ، فمن ملك قوت يومه و نفقته و مسكنه الذي يأوي إليه ، فقد ملك الدنيا بما فيها لا فقر يشغله بالعناء منه ، و لا غني يغرق فيه ، فرزق العباد علي الله تعالي ، لا ينقصه أحد ،
و لا يقدر علي زيادته أحد ، و هو حاصل عليه واصل إليه لا محالة ، فالرزق يعرف عنوانه جيدا و لا يخطئ في سبيل الوصول الي هذا العنوان ، و مهما بذل من جهد و سعي في الأرض ، فلن يحصل الإ علي ما كتبه الله تعالي له ، فلا يتذمر و لا يسخط و لا يشكو من القدر .
كما أن السعادة في هذه الدنيا ليست بوفرة المال ، و إنما هو ببركته و بالإيمان و التقوي و القناعة و الرضي فلا تحزن ، و لا تيأس ، فأرضي بقضاء الله و قدره في تقسيم الأرزاق ، و أعلم أن الله سبحانه و تعالي لا يقدر الإ الخير. و أن تدبير الله دائما خير من تدبيرك لنفسك كما قال الله تعالي :
” و عسي أن تكرهوا شيئا و هو خيرا لكم و عسي أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون”
البقرة آية 216
# المال هو أدني درجات الرزق .
# الصحة و العافية هما أعلي درجات الرزق.
# الزوجة الصالحة و صلاح الأبناء هما أفضل الرزق .
# رضي الله تعالى هو تمام الرزق.
# اللهم نحمدك حمدا كثيرا و نشكرك شكرا جزيلا يليق بجلال وجهك و عظيم سلطانك
اللهم إنك قلت و قولك الحق إني أبسط الرزق لمن أشاء بغير حساب ،
اللهم أرزقنا رزقا واسعا بغير حساب حلالا طيبا مباركا فيه من غير كد ، وأستجب دعائنا من غير رد ، فإننا ببابك واقفون، و بجودك الواسع المعروف منتظرين،
اللهم أنت الحق و قولك الحق أنك خير الرازقين القوي المتين ، يا رزاق السائلين، يا راحم المساكين، يا ولي المؤمنين ، يا مغيث المستغيثين ،
اللهم أن كان رزقنا في السماء فأنزله ، و إن كان بعيدا فقربه، و أن كان قريبا فيسره ، و أن كان كثيرا فبارك لنا فيه ، فأنت مالك الملك ، مالك السماوات و الأرض و أنت علي كل شئ قدير ،
اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك و بطاعتك عن معصيتك ، و بفضلك و جودك عمن سواك برحمتك يا أرحم الراحمين. يا ذا الجلال و الإكرام .
و آخر دعوانا قال الحمد لله رب العالمين.
و صل الله علي سيدنا محمد و علي أله و صحبه و سلم .