
جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى
الإيمان الراسخ هو أن نكون علي يقين بأن الله تعالي حكيم في جميع أقواله و أفعاله و لا يفعل شيئا سبحانه
و تعالي للعباد من خير أو شر الإ لحكمة تامة ، عند الأوامر التي يأمر الله بها عباده ،
و عند نواهيه في إطار ” ماأمركم الله فخذوه
و ما نهاكم عنه فأنتهوا”الحشر7.
و الله تعالي لا ينزل الإبتلاء عبثا حاشاه سبحانه و تعالي و إنما ينزله لحكم عظيمة بينها الله تعالى في كتابه الكريم و سنة نبيه صلي الله عليه و سلم .
و بإستقراء نصوص القرآن الكريم و كذلك ما تحتويه السنة النبوية الشريفة نجد أن الله ما أنزل من إبتلاء علي العباد ، و جميع الأنبياء و الرسل عليهم السلام الإ و أنزل الله تعالي مع البلاء أسباب دفعه و طرق رفعه .
و الإبتلاء إختبار من الله و تعالي ينزله سبحانه وتعالى علي عباده المؤمنين و أنبيائه
و رسله ليختبرهم في صدق إيمانهم و قوة إرادتهم و عقيدتهم الإيمانية علي مواجهة هذا الإبتلاء سواء في الخير أو في الشر .
و الإبتلاء جاء في نصوص القرآن الكريم بصيغ متعددة فجاء بصيغة مباشرة
” بالإبتلاء ” مثل قوله تعالي :” تبارك الذي بيده الملك و هو علي كل شئ قدير الذي خلق الموت
و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا و هو العزيز الغفور ” الملك آيه 20.
و قوله تعالي: ” فأما الإنسان إذا ما إبتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن ” الفجر آية 15.
و قوله تعالي : ” و اما إذا ما إبتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ” الفجر آية 16.
و جاء الإبتلاء أيضا بصيغة ” الفتنة ” مثل قوله تعالي :” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا و هم لا يفتنون ” العنكبوت آية 2
و قوله تعالي :” و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ” العنكبوت آية 3.
و قوله تعالي :” إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم علي من يكفله فرجعناك الي أمك فنجيناك من الغم
و فتناك فتونا” طه آية 40.
و في قوله تعالي:” و لقد فتنا سليمان و ألقينا علي كرسيه جسدا ثم أناب ” ص آية 34.
و قد يأتي الإبتلاء في نصوص القرآن الكريم بصيغة ” الإمتحان”
و ذلك في قوله تعالي ”
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوي لهم مغفرة و أجر عظيم ” الحجرات آية 3.
و قوله تعالي:” يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فأمتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الي الكفار لا هن حل لهم و لا هم يحلون لهن ” الممتحنة آية 10 .
و قد ورد أيضا الإبتلاء في نصوص القرآن الكريم بصيغة
” التمحيص” و هي تعني في اللغة تطهير الأشياء و تخليصها من الشوائب و العناصر الضارة و في القرآن الكريم جاء التمحيص بمعني إبتلاء المؤمنين بما يجري عليهم مثل قوله تعالي :” و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين ”
آل عمران آية 141.
و هذا التمحيص من الله، يمحص الإنسان
في جميع أحواله و أفعاله ،من مشاعر
و أقوال و أفعال ،فهو يشمل 1- السلوك الظاهر في القول و الفعل 2- تمحيص ما في الصدور فالتمحيص بهذا المعني أعم و أشمل من الإبتلاء و الفتن والإمتحان، لأن التمحيص يتعرض لجميع أحوال المؤمن في الظاهر و الباطن في القول و الفعل
و ماتضمره النفس المؤمنة حتي في القلوب و ما تخفيه الصدور ليخلص النفس المؤمنة أو يطهرها من جميع ما تعلق أو إلتصق بها من ذنوب و معاصي
و خطايا.
نخلص مما سبق أن جميع التعريفات التي وردت في نصوص القرآن الكريم سواء إبتلاء أو فتن أو أمتحان أو تمحيص فجميع هذه المصطلحات ترادفات لمعني واحد هو إختبار المؤمنين للتأكد من صدق إيمانهم و قوة عزائمهم و صبرهم علي تحمل الابتلاءات.
# أسباب الإبتلاء :
[ أولا ] إنزال الإبتلاء لرفع درجات المؤمنين:* ينزل الله تعالي ابتلاءه علي عباده المؤمنين الصادقين ليختبر مدي صدق إيمانهم و مدي قدرتهم علي تحمل صنوف الأذي في الأنفس و نقص الأموال
و ما تحملوه من التعذيب و ما أصابهم من أذي و ضرر من الخوف و الجوع و غير ذلك و قد حثنا الله تعالي في ذلك بقوله تعالي :” و لنبلونكم بشئ من الخوف و الجوع و نقص في الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين ” البقرة 155-157.
و يتضح من ذلك إنزال الله تعالي بالإبتلاء علي المؤمنين لحكمة و هي إختبار قوة صبرهم و عزيمتهم للتأكد من صدق إيمانهم و إخلاصهم بالفعل لا بالقول لنصرة الله و رسوله فحبهم للآخرة مقدم عل إقبالهم على الحياة الدنيا الفانية و هو ما يوصف بالإبتلاء بالشدائد و المصائب و يختبرهم الله تعالي بإبتلاءات لرفع درجات المؤمنين الصادقين الصابرين.
فالجنة لها ثمن ، فهؤلاء ضحوا بأرواحهم و دمائهم نتيجة الصبر على الابتلاء في الحياة الدنيا ، مصداقا لقوله تعالي في حق هؤلاء المؤمنين:
” الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” الملك آية2
فإذا كان الله تعالي أنزل الإبتلاء علي عباده المؤمنين الصادقين ليختبر صدق إيمانهم ، فإن الله تعالي قد أبتلي أيضا الأنبياء و المرسلين و هم ليسوا عصاة و لا مذنبين ، و لقد غفر الله تعالي لرسوله محمد صلى الله عليه و سلم
ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ، و مع ذلك كان رسول الله صلي الله عليه و سلم أشد الناس إبتلاء ، و قد تعرض لأقصى درجات الأذي
و الإيلام في سبيل نشر الدعوة الإسلامية ليتأسي الناس بصبره وصدق إخلاصه و إيمانه .
و من صور الابتلاءات التي تعرض لها النبي صلي الله عليه و سلم:
أ- وصفه المشركون بالجنون و السحر و الكذب و قال الله تعالي عنهم “‘و قالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ” الحجر آية 6.
و قوله تعالي ” و عجبوا أن جاءهم منذر منهم و قال الكافرون هذا ساحر كذاب ” ص آية4.
ب- و في غزوة أحد جرح النبي صلي الله عليه و سلم ، و كسرت رباعيته ، فجعل ينزف الدم علي وجهه الشريف و قال :
كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم ، و كسروا رباعيته و هو يدعوهم الي الله .فأنزل الله تعالي ” ليس لك من الأمر شئ” آل عمران 128
و كان دائما ما يرفض النبي صلي الله عليه و سلم دعوة جبريل عليه السلام بأن يأمر ملك الجبال بأن يطبق علي الكفار ” الأخشبين”
و الأخشبين ( جبلان في مكة ) ، فيقول النبي صلي الله عليه و سلم :
” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا “.
ج- و من الإبتلاءات التي خاضها الرسول صلي الله عليه و سلم أثناء بعثته و الدعوة الي الإسلام في مكة ، بعد إيذاء أهلها له ، ذهابه الي الطائف لعله يجد من ينصره من قبيلة ثقيف بعد أن أعرض أهل مكة عنه ، و عندما وصل النبي صلي الله عليه و سلم الي الطائف أخذ يدعوهم الي الإسلام و الي دعوة الحق ، الإ أنه واجه كل أنواع الجحود و أخذوا يرمونه بالحجارة ، حتي أصابوا رأسه الشريفة و أخرجوه من الطائف فأنصرف عنهم الرسول صلي الله عليه و سلم، و في طريقه دعا بذلك الدعاء المشهور : “اللهم إليك أشكوا ضعف قوتي ،، و قلة حيلتي ، و هوانى على الناس “.
و من الابتلاءات الشديدة التي تعرض لها النبي صلي الله عليه
و سلم الذي فاضت طهارته علي الكون كله ،أن يتهم في عرضه ، و يتهم في زوجته و حبيبته السيدة عائشة رضي الله عنها و هو ما جري علي تسميته بحادثة : ” الإفك ” ، فيصبر و يحتسب ،
حتي أنزل الله تعالي في شأنها قرآنا يتلي الي قيام الساعة ، يشهد ببراءتها رضى الله عنها .
و قد أبتلي الأنبياء أنفسهم أيضا بشتي أنواع الإبتلاءات ، فتحملوا أقصي درجات المحن و أصعب الشدائد حتي اللحظات الأخيرة من حياتهم عند موتهم، لم تكن سوي إعلان لختام حياتهم مع سنة الإبتلاء.
# و من الأنبياء من أبتلي في أهله فكانت زوجته كافرة علي دين قومها و معصيتهم، و منهم من لم تكن له بالنساء صله فلم يتزوج و لم ينجب ولدا ، و منهم من تزوج و ظل عقيما طوال حياته الإ قبل موته بقليل ، ومنهم من أبتلي في أبيه فكان كافرا .
# و من الأنبياء من أبتلي فيمن أتبعوهم فكانوا من الضعفاء الأرقاء الذين أبتلوا و خضعوا للتعذيب.
# و من الأنبياء من أبتلي فيمن أتبعوهم ، فعاني منهم أيما معاناه، فأجتمع عليه معاناته مع خصومه ، و معاناته من أبناء قومه.
و من صور الإبتلاءات كثيرة من أتباع الأنبياء و قومهم ، فمنهم من صدوهم عن دين الله ،
و آذوهم و قاتلوهم
و سفكوا دماءهم
و عذبوهم و قهروهم ثم أخرجوهم من ديارهم، فمنهم من قتلوه و من أخرجوه حتي ألتقمه الحوت و منهم من سخروا منه و سبوه و لعنوه عند صنع السفينة في الصحراء للنجاة، و منهم من نفوه خارج وطنه ، و منهم من ألقوه في النار فكانت بردا و سلاما ،و منهم من واجهه طغيان و تكبر و تجبر فرعون الذي عذب قوم موسي و أستحي نسائهم حيث وقف موسي بين خطرين داهمين عدو بجحافل جيش من ورائه و بحر أمامه، و من الأنبياء من أبتلي بكره أخوته له و غيرتهم بسبب حب ابيهم فألقوه في غيابات الجب و عرضوا حياته للخطر .
و من الأنبياء من أبتلي بمرضه و لا يطلب رحمة من مخلوق و هو يعلم أن شفائه بيد الله و مولاه فيقول رب أني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين.
هؤلاء الأنبياء هم صفوة خلق الله و هم أكثر الناس أبتلاء صبروا و تحملوا و لاقوا من أقوامهم بل من المقربين ، فكان إبتلاءهم سبيل لنيلهم أعلي الدرجات و أسمي المقامات صلي الله و سلم عليهم أجمعين.
# و من صور الإبتلاءات في الشدائد و المصائب :
[1] أن يبتلي الله المؤمن بفقد عزيز لديه كأبيه أو أمه أو زوجته أو ولده .
[2] إبتلاء المؤمن بفقد عضو من أعضاء جسمه .
[3] إبتلاء المؤمن بمرض عضال.
[4] أن يبتلي المؤمن بالخوف و الجوع و ضيق الرزق.
[5] و من أعظم ما يبتلي به المؤمن من صور الإبتلاء بالشر هي المصيبة في الدين،
ومصاب الدين لا فداء له ، فهو أعظم من مصيبة النفس و المال ، فالمال يخلفه الله تعالي ، و هو فداء النفس ، و النفس فداء الدين، و الدين لا فداء له.
# الإبتلاء بالخير:
بأن يبتلي العبد
بالغني و كثرة المال و الثراء و النعم و سعة الرزق .
و هذا النوع من الإبتلاء هو أبتلاء السراء لا يصبر عليه الإ من وفقه الله تعالي و ألهمه الخير فالسراء تظهر معدن المؤمن و تظهر مدي إيمانه و ثباته علي الشكر لله تعالي علي ما من عليه من نعم ، مصداقا لقوله تعالي: ” و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون ” الأنبياء آية 35.
و الأنسان المؤمن الذي وسع الله تعالي رزقه و سعة الحياة و مظاهر الغني و الثراء فهو أمام هذه النعم إما شاكرا أو جاحدا أو ساخطا ، و قد ذكر الله أحوال الشاكرين و خير مثال علي ذلك هو قصة نبي الله سليمان عليه السلام عندما جئ له بعرش بلقيس فلما رآه مستقرا عنده “قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر و من شكر فأنما يشكر لنفسه و من كفر فإن ربي غني كريم .”
النمل أية 40.
فقد شكر نبي الله سليمان عليه السلام ربه علي كل ما يملكه من نعم و ملك و سلطان بل علم ذلك بأنه إختبار من ربه فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعم.
و هذا المظهر من أهم مظاهر الإبتلاء نظرا لما يعقبه من شكر للنعمة أو كفر بها فالكفر يورث الطغيان و الكبر .
و قد حذرنا الله سبحانه و تعالي من عاقبة النعماء، خاصة إذا تعلق الأمر بالأموال و الأولاد فقال الله تعالي ”
و أعلموا أنما أموالكم و أولادكم فتنة و أن الله عنده أجر عظيم ” الأنفال آية 28.
و قال الله تعالي في مجمل الإبتلاء بالشر و الإبتلاء بالخير في الآية الكريمة ” كل نفس ذائقة الموت ويبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون ” التغابن آية 14/15.
ثانيا: إنزال الإبتلاء لتمييز المؤمنين عن غيرهم:
إن الله تعالي لا يقبل من العباد أن يكون إيمانهم مجرد دعوة فارغة من الدليل و البرهان ، فالإبتلاء هو بوتقة إختبار لتحديد المؤمنون عن غيرهم ، فالإبتلاء يميز ما يلي:
*يميز الله الخبيث من الطيب كما في قوله تعالي:” حتي يميز الخبيث من الطيب ” آل عمران آية 179.
* حتي يميز الله المفسد من المصلح، كما في قوله تعالي ” و الله يعلم المفسد من المصلح.” البقرة آية 220.
وحتي يميز الله الشاكر من الذي يكفر بنعمة الله و لا يرد الأمر له .
كما في قوله تعالي:” هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ” النمل آية 40.
* حتي يميز الله الصادق من الكاذب في دعوة الإيمان و الجهاد في سبيل الله و الثبات علي الدعوة كما في قوله تعالي : لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ” العنكبوت آية 3.
* و يعلم الله تعالي من ينصره و يحمل دعوته كما في قوله تعالي :”
و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب ” الحديد آية 25.
* و ليعلم الله من يخافه بالغيب كما في قوله تعالي : ” ليعلم الله من يخافه بالغيب ” المائدة آية 94.
و ليعلم الله إحسان العمل فيما أعطاه الله كما في قوله تعالي :” لنبلوهم أيهم أحسن عملا ” الكهف آية 7.
ثالثا : إنزال الإبتلاء تكفيرا لخطايا المؤمنين و محو سيئاتهم :
ليعلم العبد المؤمن أن الله سبحانه وتعالى لا ينزل البلاء
الإ بذنب ولا يرفعه الإ بتوبة ، فمن حكمه إنزال البلاء تكفير الخطايا، و محو السيئات و يظل الإبتلاء ينزل علي المؤمن في جسده و ماله وولده حتي يلقي الله و ما عليه من خطيئة .
فالإبتلاء ينزل علي المؤمن لتكفير ذنوبه و سيئاته و يكون كفارة في الوقت نفسه طالما العبد المبتلي علي يقين بأن الإبتلاء أصابه بنفس مؤمنة راضية مطمئنة ، مصداقا لقول النبي صلي الله عليه و سلم: عن أبي سعيد الخدري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه و سلم:” ما يصيب المسلم ،من نصب و لا وصب و لا هم ، و لا حزن ، و لا أذي و لا غم ، حتي الشوكة يشاكها ، الإ كفر الله بها من خطاياه “.
رابعا : إنزال الإبتلاء عقوبة و ردع للعباد :
أهل الكفر إذا ماطغوا ،
و تجبروا في الأرض فلا يكون للمؤمنين من حيلة ، الإ اللجوء الي الله ، فإن الله تعالي يظهر بعض آياته ليطمئن المؤمنين،
و ليردع الكافرين ، فيصيبهم ببعض الآفات و الأمراض و الكوارث الطبيعية كالزلازل و البراكين و الفيروسات التي حيرت العالم و الأطباء في تحديهم لهذه الفيروسات
ليرسل الله تعالي رسالة لهؤلاء ليرتدعوا و لعلهم يرجعون في بغيهم و ظلمهم و تحديهم ليفوقوا من غفلتهم .
و قد قال الله تعالي في شأنهم :” و لولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك و نكون من المؤمنين ” القصص آية 47.
و قول الله ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون .” الروم آية 41 .
فقد يبتلي الله تعالي العباد لما فعلوه من ظلم و جبروت و فساد في الأرض فينزل الله تعالي إنذار للعباد و رسالة تحذير و يلوح الله تعالي لعباده بأسه و شدته
و عقابه لردعهم لعلهم يهتدون و يرجعون الي الطريق القويم فقبل نزول العذاب تكون مرحلة الإنذار للعباد
و يكون للعباد حينئذ خيارين لا ثالث لهما إما أن يتعظوا و يعودوا الي جادة الطريق و الي صوابهم فيكون الإنذار قد حقق هدفه المطلوب قبل فوات الأوان ، و أما يستمرون في غيهم و ظلمهم و فسادهم في الأرض و ضلالهم، هنا الويل كل الويل لمن لم يتعظ و يهتدي فيرجع الي الله حيث ينزل العقاب و العذاب الأليم و قد يصيبهم الفقر و الجوع والضيق في الرزق و كثرة الأمراض و الأوبئة و آيات الله كثيرة في هذا السياق و منها قوله تعالي: ”
و ما أرسلنا في قرية من نبي الإ أخذنا أهلها بالبأساء و الضراء لعلهم يضرعون ” الأعراف 94
و لعل هذه المرحلة التي نحن فيها هي مرحلة الإنذار للناس و تحذيرهم ، حيث يلوح الله لهم بقدرته تعالي بأخذهم بأنواع الإبتلاءات ، كما قال أبن كثير ” فأخذناهم ” بالبأساء يعني الفقر و الضيق في العيش ، “و الضراء” و هي الأمراض و الأسقام و الآلام و قد شاهدنا بالأمس القريب العديد من الفيروسات التي عاني منها العباد و التي ما زلنا نعاني من آثارها المدمرة حتي اللحظة .
كما ظنوا أنهم قادرون عليها و ينتصرون عليها ، أصابهم الله بما يعجزون عنه، و يحذرهم لعلهم يراجعون أنفسهم و يؤمنون أنه لا يكشف الضر عنهم الإ هو وحده سبحانه وتعالى، مصداقا لقوله تعالي:
” و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له الإ هو و إن يمسسك بخير فهو علي كل شئ قدير ” الأنعام آية 17 ” “و هو القاهر فوق عباده و هو الحكيم الخبير ” الأنعام 18.
# الصبر عند الإبتلاء :
الإبتلاء سنة من سنن الله تعالي في الخلق، فالعبد المؤمن لابد و أن يبتلي ، و من يتأمل التاريخ وواقع الحال نجد أنه لا يكاد يري إنسان الإ و قد أبتلي إما في نفسه أو عافيته أو في ماله أو في أهله أو في أولاده أو قي أقاربه، و لا يخلواأحد من ذلك علي الإطلاق، و لكن إن آجلا أو عاجلا سيصاب المؤمن بالإبتلاء. فالإبتلاء قدر محتوم من الله عز و جل ، و لا يأتي الإ بخير.
فالأصل في الحياة هو الإبتلاء و الجميع مبتالون حتي الأنبياء و هم أفضل الخلق و أكرمهم عند الله ،
و مع ذلك رأيناهم الاكثر أبتلاء ، كما قال النبي صلي الله عليه و سلم ” أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ” .
و المؤمن طالما أنه في الحياة الدنيا فلابد أن يصيبه الإبتلاء مثل ما أصاب الأنبياء .
و من ظن أنه يعيش عمره سالما و حياته منعما من غير إبتلاء فلم يعرف حقيقة الدنيا، فإذا أيقنا أن الإبتلاء سنة كونية، و حقيقة دنيوية و جب علينا أن نعرف أن لكل مشكلة حل و لكل داء دواء و لكل إبتلاء الصبر .
و يقول النبي صلي الله عليه و سلم إن عظم الجزاء من عظم البلاء ، و إن الله إذا أحب قوما إبتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، و من سخط فله السخط ، رواه الترمذي و أبن ماجه.
و قد ذكر الصبر في القرآن الكريم أكثر من 70 مرة منها علي سبيل المثال :
” و أصبروا إن الله
مع الصابرين ”
الأنفال آية 46.
و في قوله تعالي:
“و أصبر و ما صبرك
الإ بالله ” النحل آية رقم 127.
و في قوله تعالي:
” إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب” الزمر آية 10
و في قوله تعالي :
“و بشر الصابرين ” البقرة 153
# رسالة الي كل مؤمن:
الي كل مؤمن أصابه هم و غم و حزن و كرب ، الي كل مريض و مبتلي في نفسه أو في أهله أو في ماله ، يا من فقد عزيز و غالي ، فمن أبتلي فصبرا ،فصبرا جميلا ،
و من تأدب مع الله
و شكره في السراء و الضراء ، فقد فرج الله حزنه و همه و كربه
و غمه ،
، الي كل من أبتلي فأصبر فإن الله تعالي سيفرج كربه وحزنه ، ويذهب همه و غمه و الشفاء من كل داء. فقط تذكر قول الله تعالي ” و بشر الصابرين ” و أن الله سيوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ” الزمر آية 10 و تذكر أيضا أيها المبتلي أن لكل ضيق فرج، و لكل هم و غم و حزن فرج من الله ، فلا تحزن علي ما أصابك ، فإنما يبتلي الله من يحبه ، و الله تعالى ما ابتلاك الإ أراد لك الخير في دنياك و آخرتك ، فالصبر يغفر به ذنبك ، و يرفع قدرك ، و يعلوا شأنك هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فجزاء الصابرين عند الإبتلاء هو تكفير ذنوب و خطايا المؤمنين و محو سياءتهم و رفع درجاتهم ، فعلينا بالصبر عند المحن و الشدائد و الأزمات وجزاء الصبر الخير دائما ، و علي المؤمن أن يعلم ذلك يقينا . الخير كل الخير لمن صبر و تحمل الابتلاء .
أعلم أيها المبتلي أن عقيدة المسلم الراسخة الإيمان بالقضاء و القدر بخيره و شره ، و رضاك بقضاء الله و قدره دليل علي الإيمان.
و أعلم أيها المبتلي أن الله أكد ” أن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا”
سورة الشرح آية 5و 6
و إن فرج الله قريب
لا محاله.
# رسالة الي أهالينا فى فلسطين :
الي أهالينا في فلسطين الذين أصابتهم الإبتلاءات و المحن الكثيرة
و من ذلك القتل و الفقر و الجوع و المرض
و الحصار و الدمار
و الظروف اللاانسانية ، و الحرمان من الوطن ، فعليكم بالصبر و التحمل فصبر جميل و الصبر يعقبه النصر مصدقا لقول الله تعالي ” و يقولون متي هو قل عسي أن يكون قريبا ” الإسراء آية 51
و من أقوال أهل العلم :
إن لله درجات لا تنال
الإ بالصبر عند البلاء ،
و الشكر عند الرخاء، مع خشية الله عز و جل في السر و العلانية(أبن حبان / الثقات).
مصداقا لقول الله تعالي :
” سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار ” الرعد آية 54.