
حاسبوا أنفسكم
ينبغي على العبد أن يحاسب نفسه على جميع أقواله وأفعاله أولا بأول ؛ فإن وجد خيرا حمد الله ؛ وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه؛ وعليه أن يستدرك هذا التقصير قبل فوات الأمان؛ وفي ذلك يقول عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه-: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا. فإنّه أهون عليكم في الحساب غدا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر؛ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ} (الحاقة/ 18). وقال أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- سمعت عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- يوما وقد خرجت معه، حتّى دخل حائطا فسمعته يقول، وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بخ، واللّه لتتّقينّ اللّه يا ابن الخطّاب، أو ليعذّبنّك. وقال إبراهيم التّيميّ: مثّلت نفسي في الجنّة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثمّ مثّلت نفسي في النّار آكل من زقّومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي، أيّ شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أردّ إلى الدّنيا، فأعمل صالحا، قال: قلت: فأنت في الأمنيّة، فاعملي. وقال الحسن- رحمه اللّه-: إنّ العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همّته. وعنه قال: { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (القيامة/ 2) قال: لا تلقى المؤمن إلّا يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي، ماذا أردت بأكلتي؟! .وقال مالك بن دينار- رحمه اللّه-: رحم اللّه عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثمّ زمّها، ثمّ خطمها، ثمّ ألزمها كتاب اللّه- عزّ وجلّ- فكان لها قائدا. « محاسبة النفس لابن أبي الدنيا ».
وعن سلمة بن منصور عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس، قال: كنت أصحبه، فكان عامّة صلاته الدّعاء، وكان يجيء المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثمّ يقول: حسّ، ثمّ يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا. وقال ابن القيّم- رحمه اللّه-: قد دلّ على وجوب محاسبة النّفس قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (الحشر/ 18) أي: لينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصّالحات الّتي تنجيه، أم من السّيّئات الّتي توبقه؟!« إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم ».
وقال الفضيل بن عياض: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب؛ خف في القيامة حسابه وحضر عن السؤال جوابه؛ وحسن منقلبه ومآبه. ومن لم يحاسب نفسه؛ دامت حسراته؛ وطالت في عرصات القيامة وقفاته؛ وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته؛ وأكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت واشتغل بعيوبه وإصلاحها.
أيها المسلم : ينبغي للعاقل أن يكون له في كل يوم ساعة يحاسب فيها نفسه كما يحاسب الشريك شريكه في شئون الدنيا والمال!! فكيف لا يحاسب الإنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الأبد؟!! قال ميمون بن مهران: لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه. لذلك كان توبة بن الصمة محاسباً لنفسه، فحسب فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: “يا ويلتي! ألقى الملك بأحدٍ وعشرين ألف ذنب كيف؟! وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خرَّ مغشيًّا عليه فإذا هو ميت!!”
علينا أن نحاسب أنفسنا كل يوم وكل ساعة؛ هل قصَّرنا في عملنا؟! هل قصَّرنا في وظيفتنا؟! هل قصَّرنا في أرحامنا؟! هل قصَّرنا في حقوق أهلينا ومجتمعنا وجيراننا؟!! هل قصَّرنا في عباداتنا وحقوق الله علينا؟!! هل قصَّرنا في … هل قصَّرنا في … هل قصَّرنا في …..؟!! إننا إن فعلنا ذلك وحاسبنا أنفسنا؛ فلا شك أن هذه الضمائر الحية المشرقة تكون في أعلى درجات الإيمان والتوكل والاجتهاد في أمور الدين والدنيا معا؛ وبذلك نفوز بسعادة العاجل والآجل!!!
د/ أحمد منير عبد الفتاح
موجه عام منطقة وعظ الشرقية وعضو لجنة التحكيم وفض المنازعات