كتب حسين عطايا – كاتب وناشط سياسي لبناني .
شكلت مصر على الدوام ومنذ عقود موغلة في التاريخ مؤلاً ومستقراً وقِبلة لكثيرين من اللبنانيين ، ومنذ العهد الخديوي حتى يومنا هذا .
فكانت ارض الكنانة وجهة سفر وعمل واستقرار للعديد من اللبنانيين ارستقراطيين وفنانين ورجال اعمال وكل من يبحث عن فرصة عمل ونجاح ، وكانت القاهرة والاسكندرية وجهتي سفر وإقامة محببتين لكثيرين ومن طبقات مختلفة ، لما كانت ولا زالت تختزنه مصر من تراكم معرفي وثقافي وحضاري ، تُثير حفيظة الكثيرين الباحثين عن النجاح في الفن والثقافة والصحافة ، وإذا ما عُدنا الى الرواء نجد صحفاً مصرية مؤسسيها وناشريها الاوائل لبنانيين ممن استهوتهم مصر ، مثل :
روز_اليوسف مجلة التنوير الأولى عربيا. صدرت في مصر عام 1925. يعني منذ 94 سنة. بجانب إصداراتها المختلفة مثل الجريدة، وصباح الخير .
جريدة_الأهرام أول جريدة مصرية وعربية صدرت سنة 1875م. يعني من 144 سنة. اسسها ألاخوين سليم_وبشارة_تقلا وكانت بالستينات من أهم 10 صحف بالعالم كله .
دار_الهلال أحد أعظم، وأعرق، وأكبر دور النشر المصرية والعربية، وصاحبة الإصدارات العظيمة تأسست سنة 1892. يعني من 127 سنة. أسسها جرجي_زيدان للبناني ..
ولو اوغلنا كثيراً في كثير من المجالات لوجدنا العديد من اللبنانيين الذي اتخذوا من مصر بلدهم الثاني ووجدوا فيه ضالتهم والتي لم تكن متوفرة في بيروت .
عدا عن الفنانين اللبنانيين والعرب والتي كانت بوابة شهرتهم لا تتم إلا من خلال الساحة الفنية المصرية والتي تختزن اساسيات الفن والموسيقى وعظمائها كما الكثير من النواحي الفنية والحضارية .
كما لازالت ومنذ القِدم تُشكل مصر ثِقلاً اساسياً على مستوى التراث الحضاري الانساني مما تختزنه من اثاراتٍ لا زالت تُشكل محوراً اساسياً في مستوى السياحة وفي كل الفصول .
وقد استهوت مصر في مختلف حقباتها السياسية الكثير من اللبنانيين ففي فترة اواسط الخمسينات وحتى اواخر الستينات اي الحقبة الناصرية كان الكثيرين من اللبنانيين والعرب تتجه افئدتهم نحو مصر والثورة الناصرية وما انتجته من فكر قومي عربي واصبحت مصر بوصلة كل العروبيين الذين وجدوا في جمال عبدالناصر ضالتهم في الرجل الذي اعاد للعروبة وقفتها وعزتها في زمن كانت الدولة القومية تأخذ حيزاً كبيراً في ساحات مختلف بلدان العالم ، فكانت مواقف الزعيم عبدالناصر مُحركاً لاكثرية مطلقة في الشعوب العربية من محيطها الى خليجها .
واليوم بينما مصر تشهد فورة عمرانية واقتصادية واستعادة دورها الريادي في العالم العربي وافريقيا تجد أن اللبنانيين عادوا يوجهون انظارهم تجاه مصر حيث يسود الامن والامان والتطور العمراني الذي ترافقه تطورات هامة وعلى مستوى استراتيجي في ثورة اقتصادية ستضع مصر على سكة العالمية وتحجز لها مقعداً في المنتديات الاقتصادية إن في قمة العشرين او غيرها من منتديات اقتصادية كما انها حجزت لها مقعدا هاماً ودوراً ذي اهمية في السياسة والقوة العسكرية الناشئة للمؤسسة العسكرية المصرية والتي تُعتبر الاعرق والاقدم في المنطقة العربية ، والتي تُشكل ضمانة للشعب المصري وليس للنظام والدولة المصرية فحسب .
كل هذه الامور مجتمعة ، تدفع بالكثير من اللبنانيين لان تكون مصر وجهتهم حديثاً لفتح افاقاً استثمارية جديدة خصوصاً في ظل الازمات التي يتخبط بها لبنان منذ ثلاث سنوات فاصبح اللبنانييون يبحثون عن ملاذات آمنة لاستثماراتهم الجديدة هرباً من جحيم جهنم التي اوصلهم اليها العهد الحالي والذي شارف على الانتهاء ولم يبقى من عمره سوى اياماً عسى ان تنتهي وينتهي معها عهداً كانت سنواته عِجافاً على لبنان الوطن والشعب .
إذاً ، مصر وفي مختلف حقباتها السياسية والاقتصادي تبقى في اعين اللبنانيين الشقيق الاكبر والملاذ الآمن للعديد منهم ، فتكون مصر وطنهم الثاني لما يُلاقونه من حُسن الضيافة والامان الباحثين عنه ، وستبقى مصر قِبلة لكل من يبحث عن فرصة عمل ونجاح على الدوام .