
جريدة بكره احلى رئيس التحرير وجدى وزيرى
كتب حسين عطايا – كاتب وناشط سياسي لبناني .
لا شك بأن إيران تمر بظروف صعبة ومصيرية ، وعلى مستويات عِدة ، مما يتطلب من القيادة الايرانية ومن أعلى منصب فيها ، أي المرشد علي خامنئي إعادة النظر في إمور كثيرة ابرزها :
* معضلة العودة الى الاتفاق النووي والذي كان قد تم توقيعه في العام ٢٠١٥ إبان عهد الرئيس باراك اوباما ، وما سينتج عنه من رفع للعقوبات وبالتالي الاستفادة من الارصدة المجمدة في المصارف الامريكية والغربية وهي تُقدر بما يفوق عن مئة مليار دولار بالاضافة الى رفع الحظر عن تصدير النفط الايراني ، مما سيُتيح لها بتصدير ما يزيد عن ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً ، مما سيعود عليها بملايين الدولارات بِشكلٍ يومي .
* بدء تفلت سوريا واليمن بما فيها لبنان من القبضة الحديدية التي كانت تُسيطر من خلالها ايران على العواصم الثلاث لاسيما ، ما ينتج عن حالات القصف اليومية الامريكية والاسرائيلية والتي تستهدف فصائل وكتائب مجموعات شيعية تابعة للحرس الثوري الايراني بما فيها حزب الله اللبناني ، وهذا الامر اربك القيادة الايرانية وجعلها تواجه استحقاق مُر فجعلها عاجزة وغير قادرة على الرد ، مما يؤشر الى بدء تفلت ماتبقى من النظام البراميلي في دمشق والذي يقع تحت وطأة ازمات اقتصادية ومعيشية وعلى كل المستويات ، عدا عن ما تسعى اليه تركية من مصالحة مع نظام بشار الاسد والذي قد يؤدي الى دخول الاتراك الى الساحة الرسمية السورية من بوابة النظام ، وبالنظر لموقع تركيا القريب من سوريا وما تملكه من إمكانيات إقتصادية عداك عن كونها عضو في حلف الناتو .
مما يضيف سوريا الى الساحة اليمنية وما تعيشه من هدوء نتيجة تمديد الهدنة والتي مضى عليها ما يُقارب الستة اشهر وبالتالي تبقى الساحة اللبنانية وما اعتراها من تغيير على إثر الانتخابات النيابية الاخيرة والتي جرت في الخامس عشر من ايار – ماي الماضي والتي أظهرت بما لا يرمي الى الشك بأن الاغلبية التي تغنى بها قاسم سليمان سابقاً قد لحقت به ولم تعُد موجودة ، مما استدعى حزب الله الى بعض العودة لرشده وبدأ يتصرف بطريقة مُغايرة لما كان عليه في العام ٢٠١٦ حين اصر على مرشحه ميشال عون واوصله لكرسي بعبدا بعد تعطيله للحياة السياسية والبرلمانية على مدى سنتين ونصف ، وهذا ما يُظهره تصرف قيادة حزب الله في هذه الفترة على الرغم من أنه لا يؤتمن الجانب ، مما هو معروف عنه من مراوغة وممارسته للتقية .
بناء على كل ما تقدم استدعى رد إيراني حاسم وجدي على الساحة العراقية لكي تعود طهران وتتمسك بورقة العراق بكلتا يديها حتى لا تتفلت من سيطرتها خصوصاً أن بغداد تُشكل الخاصرة الرخوة لايران وبالتالي لايمكن لطهران أن تتساهل مع ما يكتنف الساحة العراقية من غِنج سياسي وترف يقوم بممارسته السيد مقتضى الصدر مما اربك اتباع إيران وحشرهم بزاوية لا مفر من الخروج مِنها من دون تدخل إيراني حاسم .
مما استدعى القيادة الايرانية من التدخل وفرضها على المرجع كاظم الحائري والذي يتبعه مقتضى الصدر ويعتبره مرجعيته الدينية .
وللذكر بأن المرجع الحائري تتلمذ علي يد السيد محمد صادف الصدر والد مقتدى الصدر ، وهو يُقيم في قم – بإيرا منذ العام ١٩٧٤ ، وبناء على ما تقدم صدر بيان عن المرجع الحائري بأنه اعتزل المرجعية بالنظر الى تقدمه في العمر ” ٨٤ سنة ” ووفق اكثر من مصدر يُشير بأن البيان هو من إعداد القيادة الايرانية والتي هي املت عليه إصدار هكذا بيان .
البيان :
ففي بيانه الذي أعلن فيه اعتزاله العمل المرجعي بسبب المرض وتقدم العمر، والتوصية باتباع مرجعية المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، وقد انتقد الحائري -المقيم في مدينة قم الإيرانية- الصدر واتهمه ضمنا “بالسعي لتفريق أبناء الشعب العراقي والمذهب الشيعي باسم المرجعين الشيعيين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر، والتصدّي للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو -في الحقيقة- ليس صدريًّا مهما ادعى أو انتسب”.
وعلى الفور ، لم يتردد الصدر في الرد على الحائري :
وقال في تغريدة له على تويتر: “يظن الكثيرون بمن فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولا ومن فضل والدي محمد صادق الصدر الذي لم يتخلَّ عن العراق وشعبه”.
وأردف الصدر قائلاً :
إن اعتزال الحائري “لم يكن بمحض إرادته”، مضيفا: “إنني لم أدعِّ يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر… وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته”، في إشارة إلى القوى السياسية الشيعية المنضوية فيما يعرف بـ”الإطار التنسيقي”والتابعة لإيران .
وعلى هذا التطور أعلن مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي وحل جميع الاطر القيادية للتيار الصدري ، مما دفع باتباعه الى النزول الى الشوارع ودخول المنطقة الخضراء بدءاً من بوابة التشريع ” القريبة من البرلمان العراقي ” وكذلك دخلوا القصر الجمهوري ووفق المعلومات ادت هذه الاعمال الى هروب عدداً من قيادات الإطار التنسيقي وخصوصاً تلك التي تُقيم داخل اسوار المنطقة الخضراء ومنهم نوري المالكي وفق ماذكرت بعض وسائل الاعلام .
هذا الامر عقد الوضع العراقي ليل امس وجعل من بعض احياء بغداد تشهد حرب شوارع حقيقية وسقط العديد من القتلى من الطرفين كذلك بعض القتلى في صفوف القوات العسكرية والامنية العراقية لاسيما المكلفة حراسة المنطقة الخضراء .
كل ذلك ، سيدفع اكثر فأكثر بمقتدى الصدر إما الى الاعتزال فعلا والخضوع للرغبة الايرانية مُجبراً وليس بخياره او أنه سيُصبحُ موقفه أكثر صلابة وهذا سيزيد من مشاكل العراق وتأزُم الاوضاع أكثر فأكثر ، على الرغم من ان بعض المؤشرات تدعو الى الاحتمال الاول اي الى خضوع الصدر لمشيئة إيران وبالتالي تمكين إيران أكثر فأكثر من الامساك بالساحة الايرانية كما أن هذا الامر سيُساهم بعزل الكاظمي ” رئيس الوزراء العراقي المستقيلة حكومته ” مما سيُساعد الاطار التنسيقي على تشكيل حكومة تكون طيعة بيد الايرانيين وتُعيد التوجه نحو إيران والابتعاد عن المحيط العراقي الطبيعي اي المحيط العربي والذي سعى اليه مصطفى الكاظمي منذ تسلمه الحكم .
هذا الامر سيُعيد هيمنة إيران على الساحة العراقية عبر اذنابها التابعين لها مما سيُحقق رغباتها في الامساك بالورقة العراقية والتي من خلال قرب العراق بجوار المملكة العربية السعودية سيُعطي طهران ومن خلال عملائها ورقة ضغط قوية تكون لصالحها في المفاوضات ما بين طهران والرياض .
هذا ما سيؤكد بأن الشعب العراقي وحده سيدفع الثمن مجدداً بعد أن اعتقد الكثيرين بأن العراق بعهد الكاظمي بدأ يتحرر رويداً رويداً من الهيمنة الايرانية .