روى فى الاثر فيما تداوله الاقدمون من خبر ، قصة عابد زاهد ، وضيف حل به على سفر
وهنا لايعنينا ان كان الامر محض خيال ام بالفعل حدث ، فما يهمنا هو استخلاص الحكمة والعبر
… بعيد بعيدا فى الصحراء ، حيث المكان موحش نائى ، بعيدا عن صخب الحياة والناس ، كانت هناك خيمة منصوبة ، يعيش فيها حكيم زاهد ، اتخذ خيمته مسكنا ومأوى.
، ليس له فى حياته سوى اغنام يرعاها ، يشرب لبنها ويأكل لحمها ، ويستولدها ليبقى على نسلها.
، يرعى اغنامه على بعض العشب والكلأ الجاف مما نبت هنا وهناك ، أوما جلبته الرياح ، سقياه واياها من بئر حفرها شيخ كان يسكن الخيمة قبله.
يدعوا الله حين يعجزه الطلب ، ويخر ساجدا حين ياتيه المدد ، رداءه جلبابا ازرق خشن يكاد يتمزق من شدة البلى ، لايسمع هنا سوى صوت الريح وثغاء غنمه ، اوصوته حين يدعو ربه.
… سلواه حين يقوم مع الاشراق ، يغرس قدميه فى الرمال الباردة ، يرقب الشمس في مطلعها ، ليراها تسدل انوارها على الكون والارجاء ، ويشم شذى النسيم فى الصباح وهو يوقظ البيداء.
… بخيمته فقط بساط في الأرض مفروش قد تهتك من الردى ، وماعون وجرة ماء ، يحيا دنياه عابدا زاهدا لايبغى من الدنيا شىء ، فقد بلغ من العمر ارزله ، ينتظر النهاية ، ليخرج من الدنيا راجيا من الله المغفرة.
… وبينما هو على ذاك الحال ، اذ حل به ضيف ، انقطع به السبيل ، واصابه الاجهاد ولفح الهجير ، فعقل الضيف دابته ، ووقف على باب خيمته مستجير ، القى السلام فلم يجبه احد ، وأعاد الثانية والثالثة وما من مجيب ، فالتفت حوله فأبصر على مرمى من الخيمة رجلا طاعنا في السن ، منكبا على قبر ، فاقترب منه ، متعجبا خروجه تلك الساعة والبيداء قيظ ، وكذا
متعجبا من وجود ذلك القبر في هذا المكان المتناء ، وجده جاثيا على ركبتيه ورافعا يديه وببتهل الى الله باكيا ، راجيا لصاحب القبر الرحمة وان يشمله الله بعفوه .
اللهم أسالك رحمة بعبدك لقد عاش راجيا عفوك اللهم اته من لدنك رحمة فمن له يا رب غيـرك
، فانتظره حتى فرغ ، وسلم عليه و سأله المأوى وشىء من طعام قليل ، فرحب به الحكيم الزاهد ، واخبره ان بخيمته ما يبغاه ، وسارع بذبح شاه ، واحسن ضيافته ، واطعمه وسقاه ، واقراه من الليالى ثلاث ، حتى تعجب الضيف من كرم الحكيم الزاهد ، رغم ما راى من شدة العيش ، وما زاده اعجابا ، تقوى الرجل وزهده ، فهو يطعمه قبل ان يطعم ويسقيه قبل ان يشرب ، جل كلامه ذكر ، واكثر صمته فكر.
.. وبين الحين والاخر يسامره ليقطع عليه غربته ، وحين رأى الضيف ذلك الشظف ، سأل الحكيم .
– اخبرنى أيها الشيخ الكريم الا تستوحش ذلك المكان ؟ وتشتاق الى عيشة الحضر ، حيث الطعام والشراب وألفة الانسان ؟؟
– نظر اليه الشيخ وابتسم ..
– حين تعلم ما أعلم ، ستوقن ان الحياة هنا اسلم ، انتم تحبون الدنيا والدنيا فانيه ، وانا احب الله والله باقى ، وستتركون ما احببتم ، وانا لمن احب ملاقى.
– زادك الله علما وبارك فى عمرك. هل لى ان اطمع فى كرمك واسألك سؤالا أخر ، اشغلنى منذ ان رأيتك اول مرة
.. هز الشيخ راسه واغمض عينه..
– تريد انا تسأل من صاحب هذا القبر الذى رأيتنى عنده .
– نعم هو ذاك ؟
– حسنا يا بنى اخبرك ، منذ كنت مثلك ، كنت الهو والعب وافعل ما اشاء ، ولا اقيم اعتبارا لحرام ولا عيب ، وكان يستوى عندى الخمر والماء ، حتى خرجت يوما مع أقرانى نلهو ونصيد فى الصحراء ، فطاردنا فريسة حتى لاذت بالفرار ، فتابعناها فأوت الى تلك الخيمة وكان بها شيخ مسن ، فسألناه الطريده فأعطانا اياها ، وضايفنا يومنا الى المساء ، فرأيته بخيمته ذاكرا شاكرا بينه وبين الله اسرار ، فشعرت بعظم جرمى ، وشنيع فعلى ، وبعدى عن ربى ، فطلبت ان اجاوره ، ويعلمنى مما يعلمه ، فصاحبته سبع سنين ، رايت فيها فضل الله العظيم ، ثم حان اجله ، فغسلته ، وكفنته ، وصليت عليه ، وفى القبر الذى رايته دفنته ، ومن بعده سكنت خيمته وعاهدت الله ان ابقى على دربه وسنته .
.. فصمت الضيف ، وتعجب من قصته ، وأعجب بحكمته وبلاغته..
.. ثم أراد ان يساعده من حيث لا يجرحه ..
– اتقبل منى أيها الشيخ ان أهاديك ثوبا من اثنين ارتديهما ، ولعله يبقى ذكرى لديك منى ؟
– بارك الله فيك يابنى ، ما يسترنى اليوم يكفينى ، وغدا انزل به قبرى .
… وحين حلت الليلة الثالثة والتى سيكون صبحها الوداع بين الضيف والحكيم .. طلب الضيف من الحكيم طلبا بعد ان مهد له كى يضمن ان لا يستطيع الحكيم له رفضا.
– هل لى ايها الحكيم ان اطلب منك دعوة تدعوها لى ؟
– ولما يابنى لاتدعوا لنفسك ، ليس بين الله وعبده وسيط ، الم تعلم ان الله اقرب اليك من حبل الوريد ؟!
– ولكنى اظنك ذو كرامة ، واخشى ان دعيت انا ، تحول ذنوبى بينى وبين رجائى .
– هذا يابنى من عطاء الله ، يمنحه من عباده من شاء ، اهجر الذنب ،واترك العيب ، ترى من الله كل خير .
– أسأل الله ان اكون من هاجرى الذنب وتاركى العيب.
ولكن دعوتى التى ارجوا ان تدعوا الله لى بها غريبة ولها فى نفسى ان اجيبت غاية
– ما تلك الدعوة يابنى ؟
– كلا ، عدنى ان تدعوا لى بها ، قبل ان أخبرك إياها.
– ابتسم الحكيم ، وقال ان كان الامر ليس بحرام ، وليس به عتب ولا ملام ، سأدعوا لك .
– فقال الضيف ، لقد قرأت كثيرا فى الكتب ، عن ما تداوله اهل الايمان من خبر ، ان العصاة من البشر تنطق وتشهد عليهم يوم القيامة اعضائهم . وتثبت افعالهم .
– – نعم ، هو كذلك .
– وكذا ان مرض من الجسد عضو واصابه الداء ، تمنى له ودعا بقية الاعضاء بالشفاء.
– – نعم ، وذاك ايضا حق.
– اذا ادعوا الله لى ان أعرف كيف يتجاوبون .
.. نظر اليه الحكيم متعجبا ومستفهما عن الطلب..
– ما الذى تعنيه ، لم افهم ! ماذا تقصد ؟
– – أى كيف يتواصلون ، وببعضهم يشعرون ؟ وكيف يدعون لمن اصيب منهم ويتألمون ؟ اريدك ان تدعوا الله لى ان يطلعنى على ذاك الامر ،
وكيف يتواصل القلب مع اللسان ، وما راى العقل وحكمه عليهم ، وكيف يسيطر ذلك العقل على البقية ، من ذراع وقدم وعينان ؟
… بهت الحكيم من الطلب ، وتلعثم فى الكلام ، ونظر اليه لا يدرى ما يقول..
– ما هذا الذى ترجوا يابنى ؟!
ما اعرف سابقا ان حازه انسان !
ظننتك تطلب مغفرة ، تطلب رضوان ، او حتى كأهل الدنيا تطلب مالا وعزا وسلطان ، والله ما علمت ان طلبك هذا ناله انس ولا جان ، لقد طلبت طلبا ، لم اسمع بأحد وصل اليه ، ولا بشرا اطلع عليه.
… ابتسم الضيف للحكيم ..
– – لا عليك ، ان الله على كل شىء قدير ، وان اراد الله فالامر كائن ، وان لم يرد فهى ذنوبى تقف بينى وبين بغيتى حائل ، وقد وعدتنى بالدعاء ، اما استجابتها فدعها لله متى تكون وكيف يشاء.
.. صمت الحكيم لبرهة .. وطلب من ضيفه ان يمهله الى الصباح ، وان شاء الله يدعوا له.
… ناما ليلتهم و الحكيم متعجب من طلب ضيفه الذى لم يطلب منه من قبل ، بل ولم يسمع به ، ولكنه وعده بالاجابه ، فالطلب ليس بحرام ولا مستهجن ، ويعود الى الله ان يهب من عباده ما شاء من علمه ، وأخذ مضجعه و استغرق فى نومه ، وسمع الهاتف يناديه كمن يزجره.
.. يا هذا لما لم تدعوا لضيفك * أستكثرت على الله * ام بك الشك فى قدره ، اخبره انا سنريه فى نومه طلبه .. وليسارع بسداد دينه ان أتى قومه.
– فهب الحكيم من نومه فزعا ، مستغفرا الله ان يكون شك فى قدره ، وجلس يستغفر الله الى ان اشرقت الشمس ، واستيقظ ضيفه ، وبدأ يستعد للرحيل ، فنظر اليه الحكيم مبتسما.
– الاتريد شيئا قبل ان ترحل ؟
– كلا ايها الشيخ ، لقد احسنت ضيافتى ، وجزاك الله خيرا على معروفك معى.
– الم تسألنى أمس دعوة ؟ مالك لا تطلبها ثانيا ؟
— لقد رأيتك لم تشأ اجابتى ، و خشيت ان اثقل عليك ولا اخفيك سرا ، لقد بت و خاطرى مكدر .
.. فاحتضنه الحكيم وشعر ان بينه وبين الله الخير ، واخذ يدعوا الله له بان يعلمه من لدنه علما ، ويكشف له من اسراره ويعطيه من نعمه وانواره .
.. فرح الضيف بدعوة الحكيم له ، وتهلل وجه.
– هل لى يا بنى ان أسالك سؤالا ؟
– نعم ، نعم ، سل ما شئت.
-هل انت مدينا لاحد ؟
– – نعم أيها الحكيم ، نعم ، لقد عرض لى عارض ، واحتجت مالا ، وقصدت رجلا صالح اقرضنى قرضا حسن ، وقد خرجت في تجارة ورزقنى الله منها الرزق الوافر ، وان شاء الله أقضى له دينه.
– اسمع يا بنى ما اقول لك جيدا ، ما ان تصل الى بلدك ، تسارع بسداد دينك.
.. فنظر اليه الضيف وقد اصفر لونه ، لماذا ايها الحكيم ؟ أسأموت قريبا ؟
– ماذا دهاك يا ولدى ؟ لا يعلم الغيب الا الله ، انما هي رؤيه رأيتها ان تسدد دينك.
.. نظر اليه الضيف وساوره الشك في تأويل تلك الرؤيا ، أحان الاجل ؟ ام من حسن قضاء الدين المسارعة والعجل ؟
.. واخبره ان قدر الله له الوصول سالما يفعل ، وسلم الضيف على الحكيم وودعه وعانقه وقبله.
… وسار الضيف الى بلاده ، مسرورا بدعوة الحكيم ، وينتابه القلق من أن يكون الاجل قد حان ، وصل الرجل الى داره فحل ثيابه وتطهر وصلى لله شكرا ان رده الى بيته سالما وربح في تجارته ، وان قابل هذا الحكيم فى طريقه ، وبعد ان استراح واكل وشرب ، قام الى
صاحب القرض فشكره وسدد له دينه ، وحين حل المساء واقبل الليل ، توضأ وتطهر واخذ مضجعه ونام على جانبه الايمن ، وذكر الله واغمض عيناه
… واخذت تراوده سنة من النوم.
. وشيئا فشيئا أصابه الوسن.
. ومنه الى هدأة الكرى ، ولم يمر الكثير حتى أغفى.
. ثم هجع ، وسبح في النوم .
. وسبح وسبح.
*****
… ضجيج ، ضجيج ، ضجيج..
… ضربات كطبول الحرب متلاحقة ، على وقع نغمات متناسقة.
– ما هذا الصخب الذى يصم الاذان ، ما ذاك الصوت العالى ، من صاحب ذاك الصوت ؟
.. انه انا ، انا الملك ، انا القلب..
انا الملك ، من مثلى بينكم ، بما أكنه وعليه اعقد ، أميل بالنفس تترنح كالثمل ، فهذا مغرما عاشق بجوى الغرام يبوح ، وهذا حزين باكى عينه بالدمع تنوح ، حينا ترانى كالمرجل غلا وحقدا ، وحينا افيض حبا وودا ، حتى الايمان لدى يزيد وينقص ، وأفيض العين دمعا ،
واجعل المطروب يرقص ، وقد أقود الى النار ، حيث الجحيم والظلام الحالك ، والشراب من الحميم ، والطعام رأس شيطان ، مع كل قضمة ورشفة تندم على ماكان.
.. او أسوق الى الجنة ، حيث الظل الظليل ، و السقيا لبن وخمر و ماء سلسبيل.
… واذا بصوتا يبدوا منه الامتعاض معترضا ، طالبا الملك بالكف عن هذا ، وبدأ الكلام منفعلا .
– على رسلك على رسلك ، من اخبرك هذا ؟ أذا اين انا وأين مكانى ؟ أكل ما ذكرت يكون لمثلك ؟ فما تكنه من خير ، بدونى يبقى ناقص ولا ينال عليه كامل الاجر ، وما اضمرت من شر فعقباه نكتة سوداء ،على مثلها تورث الران وتضل الراشد عن الدرب ، تبا لك ايها القلب
، اما كفاك من اهلكت ؟ فهذا عاشقا من النوم حرمته ، وهذا مكلوم على عزيز له احزنته ، ومنك القاسى كالحجر واشد ، واليوم بك الايمان والله اعلم بالغد.
– – صه صه ، يا سليط ، يا أرعن القول ، اليست حصائدك من تكب الناس فى النار ، اليس بالاثم واللمز منك ، يكره الرجل اخيه ويعده من الأشرار ، وبكلمة منك يحرم على الزوج زوجته ، وتوغر الصدر وتفقد الحكيم هيبته ، اليس بكلمة منك يهوى الرجل في جهنم سبعين ، اوليس جرحك يفوق السيف والسكين ؟! الست من تعرف بالمشاء النميم ، وفى الخير مقل ، وحالك دوما عتل ، وعند الظالمين كلمة الكفر لديك اقرب ، وعلى المؤمنين قولك كلدغ العقرب .
… ثم سمع صوتا رزينا ، الحكمة فى ثنايا كلامه باديه..
– ما ذاك العراك وهذه الجلبة ؟! أفى حيرة انتم لمن فيكم الغلبة ؟
، هلموا الى لاحكم بينكم ، واريكم بالحق قدركم.
– اسمع أيها القلب ، نعم لك الحق ان تزهو ، فأنت مقر الايمان لمن صدق ، ومحط الانوار والمعارف لاهل الحق ومن وثق ، وتقود الى جنات عدن ، لمن اتى بما سبق ، ولكن اعلم بل احذر. ..
ان خالط ذاك الايمان شرك ، اوكان النفاق بالايمان بديلا او انتابه الشك ، فالنار مقرا ومقيلا
، حيث لا نفع ولا فلاح ، بل هلاك دائم وسعير قائم ، وان عبت سوءا على اللسان ، فما اخرج الا من المكنون ، منك يغرف ويصب في الاذن اما تقوى واما مجون ، واخلع عنك الحسد والغيرة والغل والريبة ، فقد ترى ملك الموت بك حاضر بين نبضة وأخرى ، اما بسوط عذاب او يأتيك بالبشرى.
… والان القول لك أيها اللسان.
… لا تكن بالفحش منطلقا ، وان رايت القلب عليه منعقدا ، فما اردى الكثير في المهالك الا بما قلبه كن و لسانه نطقَ . وان اردت قولا فأمهلنى حتى اريك منه رشدا ، فكم من قولا لك كالسم الزعاف ، يجرح القلب فيخترق منه الشغاف ، والجم عليك العنان ، فليس كل ما
تعرف تريه للعيان ، واترك اللمز ، والنميمة ،والغيبة ، والبهتان ، واعلم ان الانسان اخو الانسان.
… ووسط هذا الصخب ، اذا بضوء كاشف ، لامع كالنجم ، حادا كالسيف ، يطلب مكانته ، فالتفت اليه العقل كالمكلوم من طاعن.
.. اه منكما ومما جلبتما ، أرئيتما ما قيل فى القلب من مدح وذم ؟! وما يعرض له من فاتر نبض وهيجان دم ، وكذا ما اتى اللسان من قول ، ما كان هذا لولا سهامكما ، تنظرا النظرة فتهيجا شهوة ، او تحقدا حسدا ، فيمرض القلب ، ويُخرج اللسان السىء والمُذم ، اما كان منكم من غض عن الحرام ، والحذر من يوم تذرفا الدم على ما كان.
.. فخفت الضوء وانكسرا ، وفاضا يقطرا دمعا .
.. وانتما اما حان ان تتكلما ، انتما يا من الفتما التلصص ، ابدل الخير سماعا ، رغبتما التجسس ؟! فما بالكم ان غضب الله عليكم فأصمكم واعدم سمعكم ، فما هي الا أيام تكر وتصدما بالواقعة، وتقولا مع البقية اين المفر.
.. ونادى العقل فى الجميع ، مادام الكل حاضر بقى لنا ان نرى اهل الخطى والبطش ، فانتصبتا القدمان ، وارتفعتا اليدان.
.. اسمعا أهل البطش و الخطى ، فالكلام لكليكما.
.. أهل الخطى .
– نعم نعم ، نحن هاهنا حاضرا
.. انكم تابعون لما وقر فى القلب ، فان صلح كان المسير فى الخير ، وان فسد كانت الخطى للردى . وانتبهوا جميعا ، كعب وعرقوب ، وعقب وبوع.
ويا باطشا الجسد.
– نعم نعم ، نحن هاهنا حاضرا.
.. ما قيل ينطبق عليكما ، فان القلب فسد ، بطشتم جبارين ، وان صلح كانت الرحمة واللين
، والكل سيشهد ، عضد ومرفق وكف وكوع
.. ثم ارتفع صوت العقل محذرا.
– بلاغ الى الجميع كافة.
.. غضبة الله ليس لكم بها طاقة ، اليوم تسمعون بها ، وغدا ترونها حاقة ، يوم لا يجدى اسفا ولا دمع ، يوم لا يغنى فردا ولا جمع..
.. واذا بالقلب تزيد نبضاته و القدمان ترتعشا ، واليدان تنتفضا ، والعينان تذرفان الدمع ، واللسان ينعقد..
واخذا الجميع يستعيذ من سؤ المصير ، ويحثوا القلب على الانتباه والحذر .
– الحذر الحذر ، فالامر صبر ساعة ، وتحين ساعة الاجل ، دعنا نلقى الله لا ذنب ولا عتب.
…
.. قام الرجل من نومه به الغبطة وكثير من مشاعر مختلطة ، فمن فرحة ، لما علم ، وسمع
، وراى، وأن استجاب الله دعائه ، ومن خوف لما رأى ان الامر كمن على شفا حفرة من نار
، فقام توضأ وصلى ، وانتظر الى ان لاح الصباح ، وعزم على العودة الى الحكيم فهو أولى الناس ليخبره بما راى ، وكيف استجاب الله دعوته ، وكم هي الدنيا على الله لا تستدعى من البشر تلك المقتله.
.. واخذ من الزاد ما يكفى طريقه ، وشرع مسافرا الى الحكيم ، وبعد ان قطع الطرق والقفار وصل الى الخيمة التي يسكنها الحكيم ، رأى امامها الأغنام تلهوا كعادتها ، فانطلق اليها وهو ينادى من قبل ان يدخلها.
– أيها الحكيم ، سلام عليك ، جئتك ببشرى ، أيها الحكيم اين انت ؟
.. ودخل الخيمة متشوقا للقائه فوجده ملتحفا ببرده الأزرق القديم ، ومستلقى على بساطه ويغط في سبات عميق ، اقترب منه برفق ولين ، وهمس في اذنه أيها الحكيم لقد عدت اليك
، هيا استيقظ ، ما لى اراك تنام في ساعة لا تنام فيها.
.. أيها الحكيم !! أيها الحكيم!!
.. ولكن الحكيم لا يجيب ، الحكيم لا ينطق ، الحكيم مات.
لقد رحل الى الملكوت حيث تكشف الحجب ، الحكيم ذهب الى الرفيق الأعلى.
.. وهالته المفاجئة ، واخذ يقلب في جسده ، ويرفع راسه وكفه ، وحين تيقن انه قد مات ، انكب عليه باكيا ، وازرف كثير الدمع عليه.
.. واخذ الرجل ينظر حوله ، فاحضر ماء مما اعده الحكيم لسقيا اغنامه وغسله ، وفى ثوبه الأزرق القديم كفنه ، وصلى عليه ، وحفر له بجوار شيخه واقبره ، واخذ يدعوا الله له ان يرحمه ويعفوا عنه ويكرمه.
اللهم أسالك رحمة بعبدك لقد عاش راجيا عفوك اللهم اته من لدنك رحمة فمن له يا رب غيـرك
، ثم عاد الى الخيمة وجلس فيها يبكى ، ويتعجب كيف ان الاقدار ساقته الى ذلك الحكيم لينهل من حكمته ويفوز بدعوته ، ثم اثر ان يبقى مكانه في الخيمة ، يعيش عيشته ، واخذ برعى تلك
الأغنام ، وحمد الله على ان سدد دينه قبل ان يستقر بخلوته
ويسير على نهج الحكيم وسنته حيث الخلوة والبعد عن الدنيا عازما ان يلقى الله على ما كان صاحبه وصاحب صاحبه..
للمشاركة وارسال الاخبار والمشاكل والتواصل مع الجريدة
بريد الكترونى
wawazir@gmail.com
واتس اب :
00201155442883
رئيس مجلس الادارة والتحرير
وجدى وزيرى
بريد الكترونى
wawazir@gmail.com
واتس اب :
00201155442883
رئيس مجلس الادارة والتحرير
وجدى وزيرى
خرررررافة اكثر من رائعة