بقلم : صبري حنا – بكره أحلى ..

نعم .. لا يستطيع أحدٌ أن ينكر أن أغلب البشر يعيشون في أرض غربة قاسية من وجهة نظرهم المحدودة، أرضٌ كلها شقاء ومعاناة، يدفنون حبة الغلة فينبت معها الشوك والحَسَك ذلك العشب الذي ينمو معها ويمتص غذاءها، وإذا لم يقاوم هذا الشر من البشر بالجهدِ والمعاناة والصبر والدعاء، يقضي على النبتة الطيبة ويتمكن منها ويخضعها لإرادته..!
هكذا هو حال الإيمان؛ فالإيمان كالنبتة الطيبة في قلب وفكر وعقل ووجدان الإنسان، بل حياته كلها، ذلك الجسد الذي يمضي به قطار العمر في دنيا الشقاء والأتعاب ومواكب الأحزان، الإنسان الذي يغفل كثيراً أن حياته على الأرض كالبخار الذي يظهر قليلاً ثم يضمحل ويعود إلى أصله الترابي..!
ولكي نكون صرحاء مع أنفسنا علينا أن نعترف بصدقٍ على أن الإيمان وحده لا يكفي أيها الأحباء. فالإيمان يحتاج من المؤمن الحقيقي صاحب القلب العامر به أعمالاً صالحة، يراها ويتلامس معها كل انسان يعيش معه في دائرة حياته، ويقضي معه أوقاتاً في قطار العمر الذي يمضي بهما حتماً إلى محطة الوصول.
لهذا أؤكد أن غياب الأعمال الصالحة من حياة الإنسان، يكشف لنا صراحة عن حياةٍ لم تتغير للأفضل وعن قلبٍ ميت روحياً، لأن كل عملٍ صالح في حياتنا يظهر ما نؤمن به، ويبين حتى لغير المبصرين ما إذا كان إيماننا حيَّا بالفعل أم أنه إيمان ميت، ومِن ثِمَارِهم تعرفونهُمْ.
فالمؤمن الحقيقي كالشجرة الجيدة التي تصنع أثماراً جيدة، ومن المؤكد أن الشجرة الرديئة التي لا تصنع أثماراً جيدة تقطع وتلقى في النار.
ونأتي في حديثِنا عن الأمل؛ وقد تساءلتُ : هل الأمل بدون أعمال ميت!!؟
وكان لابد لي من الرجوع إلى آراء بعض علماء النفس المهتمين بهذا الركن المضىء في حياة الإنسان، مما أكدَّ لي تلك الحقيقة .. الأمل مرتبط ارتباطاً كلياً مع حياة الإيمان..!!
وعلينا أولاً أن نعترف بأننا نتحدث هنا عن أحد جوانب الصحة النفسية، ولابد لنا أن نعرف أن هناك فرق شاسع بين التشاؤم والتفاؤل واليأس والإحباط وبين الأمل، وبالتأكيد يوجد علاج فعَّال للأمل المنشود الدائم.
وقد أكد العالِم والبروفسور في جامعة كنساس Charles R. Synder أن للأمل ثلاث مكونات رئيسية وهي: “الأهداف” و “الوسائل” و “الطرق”، فالوسائل هي قدرتنا على تشكيل ورسم حياتنا من منطلق الثقة والإيمان بقدرتنا على إنجاز الأمور والحافز لنا لتحقيق الأمل، بإتخاذ كافة الطرق المتاحة التي تؤدي بنا في النهاية إلى تحقيق أملنا المنشود الذي هو الهدف.
ولا يفوتنا هنا أن نؤكد على حقيقة مهمة، إن التفاؤل يرتبط بالأمل ارتباطاً وثيقاً، وتتأكد رؤيتنا لهذا الإرتباط ما دمنا نمتلك الثقة والإيمان بصانع الحياة خالق الأكوان سبحانه، قبل ثقتنا وإيمانِنا بقدراتنا الشخصية وأذرعتنا البشرية، بالرغم من أن التفاؤل يشكل نصف الأمل لأن الأمل يركز على أهدافٍ محددةٍ.
وقد أكدَّ العالِم النفسي Jon G. Allen أن هناك فرق بين “الأمل” و”التمني” لأن التمني موجود في كل زمان ومكان وقد يكون مجرد هروب من الواقع، أما الأمل فيعمل على مواجهة الواقع.
فإذا فقد انسان الأمل في مستقبل حياته؛ غلبه اليأس والإحباط وتقوقع حول ذاته بأنانية مفرطة، وامتلكه شعور قاتل بأنه لا فائدة من حياته وقد يصل في نهاية المطاف إلى مرحلة الانتحار.
الأمل أيها الأحباء هو أكسير الحياة، هدف يسعى المؤمن الحقيقي صاحب الأعمال الصالحة لتحقيقه، هو الرجاء للإنسان العاقل الذي يفكر بطريقة إيمانية صحيحة واثقاً في محبة الله له فهو القادر على كل شىء، في ذات الوقت لا يتكاسل مطلقاً في طريقه لتحقيق أمله الذي يرجوه، فبدون الأعمال يصبح أمله بالتأكيد ميت.
الأمل هو غاية كل انسان يبحث عن استكمال رسالته النافعة لجموع البشر، فإذا آمن طالب علمٍ بأمله في الحصول على أعلى الدرجات ولم يجتهد في مذاكرته وتحصيله للعلم، لن يحقق أمله المنشود.
أيضاً إذا فقد زوجان الأمل في انجاب أبناء بعد مضي سنوات، تحولت حياتهما إلى جحيم لا يطاق، وتزعزع إيمانهما وتراجع مؤشر أعمالهما الصالحة.
وفي اعتقادي المتواضع أن أرقى أنواع الأمل هو الأمل (الجماعي)، فما من شعبٍ يريد التقدم والإزدهار ويعيش فيه الفرد في سعادة ورخاء، إلا وكان له الأمل في تحقيق ذلك الهدف.
وما أشد حاجتنا الآن إلى جرعة أمل تنطلق بنا إلى غدٍ مشرق، لكي تكون مصر في مصاف الدول المتقدمة ليعم الرخاء على شعبنا الطيب الأصيل، أمل نبنيه بأنفسنا ونتوحد عليه من خلال إيماننا وثقتنا بالله ومن خلال أعمالنا الصالحة، كل في مكان عمله، أمل نحدد أهدافاً للوصول إليه بثقة مطلقة، عندئذ سيكون الغد مشرق وبكره أحلى بأمر الله.