د محمد القاضى
لماذا يشعر الرجل بأن عليه حماية شريكته من بقية الذكور ولماذا تشعر الأنثى أن عواطف زوجها يجب أن تكون حصريةً لها؟ كيف تؤثر هذه الغريزة في صياغة العادات والتقاليد السائدة في المجتمع؟ جميع الكائنات الحية تعيش في سبيل التكاثر والاستمرار عبر الأجيال. هذا هدف البقاء هو المحرك الأساس الذي يحدد غرائزنا وعادتنا وتصرفاتنا. كلنا يعرف أن أغلب الكائنات تتألف من زوجين (أنثى أو ذكر) لكن ما هو التعريف العلمي للأنثى والذكر؟
هل يُحَدد الجنس عن طريق الأعضاء التناسلية حصراً أم أنه يوجد معايير آخرى لتحديد الجنس؟
تعريف الأنثى والذكر:
لدى كلا الجنسين خلايا جنسية (بويضة / حيوانات منوية). هذه الخلايا هي ما يحدد جنس الكائن. الكائن ذو الخلايا الجنسية الأغلى يعتبر أنثى والكائن ذو الخلايا الجنسية الأرخص تعتبر ذكر. ما أعنيه بكلمة أغلى وأرخص هو من الناحية البيولوجية طبعاً.
البويضة ذان كميات محدودة جداً مقارنة مع الحيوانات المنوية وتستهلك كمية أكبر من الموارد الغذائية لكي يتم انتاجها. إذاً من الناحية الجينية لا يهم نوع الأعضاء التناسلية لتحديد الجنس وإنما القيمة البيولوجية للخلايا الجنسية.
هذا التعريف مبسط جداً ويختلف عما يسمى الهوية الجنسية إذ أن الهوية الجنسية تحدث في الدماغ وليس في الأعضاء التناسلية للكائن.
أيضاً يوجد التوجه الجنسي والذي يختلف عن الهوية الجنسية وليس مرتبط مع الأعضاء التناسيلة.
إذاً لدينا ٣ متغيرات عندما نتحدث عن الجنس (أعضاء تناسلية، هوية جنسية، توجه جنسي) لكن ضمن هذا المقال سأركز على الأعضاء التناسلية وأفترض أن التوجه الجنسي مغاير وأن الهوية الجنسية منسجمة مع الأعضاء التناسلية.
مثال للتوضيح: من الممكن أن يوجد شخص ذو أعضاء تناسلية ذكرية لكن هويته الجنسية أنثى وتوجهه الجنسي مغاير فنجده ينجذب إلى الذكور. لماذا ينجذب للذكور ولماذا هو ليس مثلي؟ لأن هوينه الجنسية أنثى والتوجه الجنسي المغاير للأنثى هو الإنجذاب نحو الذكور وتبقى الأعضاء التناسلية هي ما يخلط الأوراق للأخرين فيعتبرونه شخص مثلي.
*سأقوم بشرح هذا المحور بشكل مفصّل في مقال منفصل.
الإستثمار الجيني:
الاستثمار الجيني هي فكرة أساسية جداً في تفسير غريزة الغيرة لذلك أرجو التركيز عليها جيداً. عملية التكاثر تتم عبر تلاقح البويضة مع الحيوان المنوي. ما يحدث بعد هذا التلقيح مهم جداً لأن الموارد التي يحتاجها جسم الانثى هي أكبر بكثير من الموارد التي يحتاجها الذكر. في الحقيقة الذكر لا يحتاج أي موارد بعد عملية التلقيح ويستطيع تكرار العملية عدة مرات كل يوم مع إناث مختلفين لأن حيواناته المنوية رخيصة و متوفرة و ليس عليه أي أعباء بيولوجية بعد التلقيح. أما الانثى فبعد تلقيح بويضتها فعليها استثمار كم هائل من الموارد الغذائية لكي ينمو جنينها وعليها استثمار وقت طويل لا تستطيع خلاله من التكاثر.
هذا يعني أن الأنثى لديها استثمار أكبر من الناحية البيولوجية (بويضة) ومن الناحية الاقتصادية (موارد و وقت) و من حيث الفرصة البديلة للتكاثر. أي وقت تصرفه الأنثى أثناء الحمل هو وقت لا تستطيع خلاله الحمل من جديد على عكس الذكر الذي يستطيع الاستثمار بشكل يومي دون أعباء اضافية.
العلاقات بين الأحياء:
العلاقات بين الاحياء منظومة ومحكومة بمدى الاستثمار الجيني الذي يحتاجه الكائن لإنجاح عملية التكاثر. استراتيجية الذكر هي أن يلقح أكبر عدد ممكن من الإناث لأن هذا يعني فرص أكبر في نشر جيناته للأجيال القادمة. كما ذكرت سابقاً، بالنسبة للذكر العملية جداً مربحة فإن العلمية الجنسية عملية ممتعة ونتائجها رخيصة من حيث الموارد وتضمن استمرار الجينات عبر الأجيال.
بالنسبة للأنثى فإن العملية الجنسية عملية ممتعة لكنها مكلفة وثمينة من حيث الموارد والوقت. كل عملية جنسية تعني استثمار هائل من الموارد والوقت. لذلك على الأنثى اختيار شريكها بحذر وانتقاء الذكر المستعد على البقاء ضمن عش الزوجية لمساعدتها في تأمين الموارد والعناية بالصغار. طبعاً تختلف استراتيجيات إناث الأحياء بناء على معطيات الحمل والموارد اللازمة لانجاح عملية الولادة.
مثلاً الأسماك تتبع استراتيجية بنشر أكبر عدد ممكن من البيوض بحيث أن نسبة من هذه البيوض وحتى إن كانت ضئيلة ستنمو وتصبح أسماك بينما أنثى الفيل عليها أن تحمل الجنين لأكثر من سنة ونصف ثم تقوم بالولادة والعناية بطفلها لعدة شهور اضافية حتى يستطيع الاعتماد على نفسه بينما أنثى الإنسان عليها الحمل ٩ شهور تقريباً لكن القيام بالولادة قبل أن ينمو رأس الجنين ويصبح أكبر من المرور من خلال الرحم.
الرعاية الابوية والانتقاء الجنسي:
تفاعل الاستراتيجية الذكرية (لقح وأمشي) والاستراتيجية الأنثوية (انتقي شريكك بعناية) ينتج عنها استراتيجية جديدة. هذه الاستراتيجية تقول ان على الذكر صرف موارد اقتصادية كبيرة من طاقة وتأمين غذاء بحيث يكون استثمار الذكر متوازي مع استثمار الأنثى. هذه الاستراتيجية مرهونة بعدم قبول الإناث ممارسة الجنس مع الذكور إلا إذا قدموا استثمارات اقتصادي (موارد ورعاية للأطفال) مما يجعل استراتيجية الذكر (لقح وأمشي) استراتيجية غير ناجحة من ناحية استقطاب الإناث. الإناث التي تقبل بالتكاثر مع الذكر دون مقابل مادي من موارد وعناية بالأطفال (حماية) قد تجد نفسها معرضة لخطر أن تخسر حياتها وحياة جنينها بالمقارنة مع الإناث التي تتأكد أن تأخذ استثمار مقابل من الذكر قبل العملية الجنسية وأثناء العناية بالأطفال.
مثال:
إناث بعض الطيور لا تسمح للذكر بالتلقيح إلا بعد أن يستثمر الذكر وقت وجهداً في بناء عش لتعيش فيه العائلة. هذا الاستثمار يجعل من العملية الجنسية عملية مكلفة بالنسبة للذكر مما يضمن للإناث بقاء الذكر بعد عملية التلقيح لأنه لن يجد شركاء أخريات مستعدة أن تمارس معه الجنس قبل أن يبني عش جديد و هذا يعتبر عمل مضني و مجهد بالنسبة للذكر.
طيور التعريشة Bowerbirds تمتاز بأعشاشها المليئة بالأغراض والمقتنيات التي يقوم الذكور باقتنائها ووضعها في أعشاشهم في سبيل استقطاب الإناث واغرائهن على الزواج منهم. المثير للفضول في الموضوع أن الإناث يقمن بمعاينة الأشياء الموجودة ضمن العش وبناء على فحص دقيق لهذه المقتنيات نتخذ الأنثى قرارها إما بمشاركة الذكر عش الزوجية أو لا.
أنا أفترض أنك قد سمعت عن التطور عبر الانتقاء الطبيعي حيث يكون هذا التطور الحاصل على مستوى النوع ككل، لكن يوجد محركات آخرى للتطور تطرأ على النوع بهدف المنافسة الداخلية ضمن أفراد النوع للحصول على فرص أكبر للتكاثر والبقاء. أحد أنواع هذا التنافس نسميه التطور عبر الانتقاء الجنسي (يوجد أنواع أخرى من التطور مثل سباق التسلح ضمن النوع: من يعدو أسرع، ينجو من الافتراس الخ).
التطور عبر الانتقاء الجنسي هو انتقاء يطرأ على الجنس صاحب الاستثمار الجيني الأرخص بهدف تعزيز فرص صاحبه في إنجاح عملية التكاثر. لماذا صاحب الاستثمار الجيني الأرخص (خلايا جنسية أرخص)؟ لأن صاحب الاستثمار الجيني الأكبر هو من ينتقي شريكه بعناية بحكم أن استثماره سيكون مكلف أكثر.
لا أريد أن أطيل بهذا الشق حول الانتقاء الجنسي إلا أنني أنصح بالقراءة عنه لفهم أليات انتقاء الشريك ذو الاستثمار الابوي الأكبر لميزات الشريك ذو الاستثمار الابوي الأصغر.
لدى أغلب الكائنات عادة تكون الأنثى صاحبة الاستثمار الأبوي الأكبر وبالتالي هي من تختار المواصفات التي تجدها تدل على أن شريكها سينقل جينات جيدة لأبنائها. مثلاً قدرة الطير على الزقزقة بصوت عالي يدل على أنه يمتلك صحة جيدة نوعاً ما وأنه خالي من الأمراض التي قد تحد من حظوظ أبنائها في الحصول على الغذاء والاستمرار عبر الأجيال.
انتقاء الإناث للذكور يجعل منها محرك في عملية التطور إذ ان الذكور الذين لا يمتلكون المواصفات التي تبحث عنها الإناث لا يستطيعون الاستمرار عبر الأجيال وبالتالي تنخفض أعدادهم في المجمع الجيني.
طبعاً يوجد استثناءات بسبب ظهور ميزات تجعل من الذكور يتجاوزوا انتقاء الأنثى لهم وتتحول عملية الانتقاء إلى من هو الأقوى ضمن المجموعة أو اغتصاب الإناث وبالتالي انتشار جينات الذكور المهيئين للاغتصاب أو العنف.
في العودة إلى طيور التعريشة فإن إناث هذه الطيور تقوم بفحص قدرة الذكور على في أداء مهام العثور على الطعام من خلال زيارة تقوم بها لعش الزوجية الذي يبنيه لها الذكر. المقتنيات داخل العش من أوراق وأحجار وغيرها من الأشياء المهملة التي نجدها في الطبيعة تدل على تاريخ الذكر وقدراته الحياتية في الاعتناء بالصغار.
الذكور يقومون بسرقة مقتنيات بعضهم البعض وخصوصاً المقتنيات الزرقاء اللون (اللون المفضل لطائر التعريشة الساتاني لكن قد تختلف الألوان بين الأنواع العشرين لهذا الطائر) وذلك لتذليل فرص نجاح غيرهم في العثور على الشريكة ويكون وسيلة في عرض القوة والسيطرة على الذكور الآخرين.
عندما تزور الأنثى عش الزوجية الذي يبنيه الذكر هي تقوم بامتحان جيني للذكر لكي تتخذ القرار إما باستثمار بويضتها معه أم لا. هي لست مهتمة بحيواناته المنوية على قدر ما أنها تبحث عن شريك يساهم في تربية الصغار إلى أن يصلوا إلى عمر يسمح لهم في البقاء بمفردهم واستمرار سلسة الجينات عبر الأجيال.
إذاً أصبح لدى الذكر والانثى مشروع مشترك. هذا المشروع المشترك هو الأطفال (50% من الأم و50% من الأب). الذكر مستعد لصرف الموارد و الرعاية مقابل الاستثمار البيولوجي الذي تقدمه الانثى.
من هنا ننطلق لموضعنا حول الغيرة الزوجية….
عملية الحمل بالنسبة للأنثى هي علامة واضحة وصريحة أنها سوف تنجب أطفال للعالم وهي تستطيع تحديد أن الجنين لها 100% لأن الحمل يحدث داخل جسمها. أما الذكر فمهما كان متأكد فهو لن يكون متأكد 100% أن الجنين هو نتيجة تلقيح حيواناته المنوية وليس نتيجة نطاف ذكور آخرين. لهذا من ناحية الاستثمار الأبوي نجد أن أسوأ السيناريوهات بالنسبة للذكر هو أن يصرف موارده على أطفال ذكور آخرين فيكون يعمل على نشر جينات ذكور أخرين على حساب جيناته أما بالنسبة للأنثى فإن أسواء سيناريو بالنسبة لها وإلقاحها من ذكر لا يبقى معها و يساعدها في تأمين الموارد و رعاية الصغار.
الغيرة عند الإنسان:
نجد أن غيرة الرجل تتعلق بالحالة الفيزيائية للأنثى. ابقاء جميع الذكور الآخرين بعيدين عن شريكته بحيث يضمن أن اي حالة حمل هي تخصه هو وأن الصغار القادمين هم أطفاله (لأنه لا يستطيع التأكد 100% أنه هو المسؤول عن الحمل). بالنسبة للأنثى نجد ان غيرتها تتعلق باهتمام الذكر. الانثى تعلم أن اهتمام الذكر محدود وأن هذا الاهتمام هو ما يترجم إلى موارد وأي عنصر يقارعها على هذا الاهتمام هو عنصر يشكل خطر على مواردها وموارد أطفالها ولهذا نجد ان غيرة الأنثى تتركز على الناحية العاطفية للذكر. عاطفة الذكر يجب أن تتركز على الاستثمار الأبوي مع الأنثى وألا يشاركها أحد بهذا الاستثمار. إذاً الذكر يغار بشكل فيزيائي لا يسمح لأحد من الاقتراب من شريكته. بينما تغار الأنثى بشكل عاطفي عن طريق ابعاد أي عنصر ممكن ان يأخذ من اهتمام شريكها وبالتالي مواردها.
بعض الأمثلة من الطبيعة:
يوجد العديد من الامثلة في الطبيعة التي تؤكد على تطوير استراتيجيات مختلفة بين الذكور و الإناث بشكل ينسجم مع فكرة الاستثمار الجيني. سأسرد لكم مثالين لكن يجب التنويه أن هذا الموضوع مركب ومعقد أكثر بكثير مما قدمته ضمن هذا المقال و لمزيد من التعمق على القارئ البحث ضمن الانتقاء الجنسي و الاستثمار الأبوي عند الأحياء….
تأثير بروس:
تأثير بروس عند الفئران هو عندما يفرز ذكر الفأر مادة كيماوية (فرمونات) تعمل على اجهاض الحمل عند جميع الإناث المحيطة به. الذكر يقوم بهذه الخطوة قبل عملية التكاثر ليتأكد أن الحمل سيكون لنطافه فحسب. علماً أن هذه المادة الكيمائية لا تأثر على الحمل إذا كان الحمل من قبل الذكر نفسه.
السدادة الجنسية:
بعد اتمام العملية الجنسية وافراز الحيوانات المنوية داخل انثى النحل يقوم الذكر بالتخلي عن عضوه التناسلي وابقائه داخل الأنثى لإغلاق المهبل ومنع ذكور آخرين من تلقيح الانثى. الأنثى تصبح ملكة وتقوم باستخدام نفس الحيوانات المنوية طوال حياتها لهذا يعتبر النحل متطابق جيناً ومستعد كل فرد أن يضحي بنفسه لأجل الخلية وبقاء الملكة التي تعتبر مصدر الإنجاب في الخلية.
من المثير للفضول أن تبحث عن استراتيجيات التكاثر عند الأحياء وتُسقط هذه النظرية عليها وفحصها.
لنعود إلى الإنسان والغيرة… تجسيد هذه الغرائز والاستراتيجيات واسقاطها على عادتنا وتقاليدنا سيقدم تفسير منطقي لجميع ما نراه من حولنا من قوانين اجتماعية. كما أن لذكور الفئران والنحل استراتيجيات لضمان النسل ومعرفة أن الأطفال هم اطفالهم يوجد لدى ذكور الإنسان استراتيجيات شبيهة من حيث المبدأ لكنها أكثر تعقيداً من حيث الآليات، وأصعب رصداً من قبلنا لأننا بشر ولا ننتبه لهذه الغرائز التي تفعّل بشكل تلقائي لدينا.
الزواج:
من الواضح لدينا الآن أن الزواج هي عملية هدفها تنظيم المشروع الجيني بين الذكر والانثى. هذا التنظيم هدفه ضمان تحمّل الذكر مسؤولياته المتعلقة بالموارد ورعاية الاطفال بينما تتقبل الأنثى الاستثمار الجيني مع الذكر لإنجاب أطفالهما. لهذا نجد ان أهل العروس غالباً يهتمون بشكل أساسي على موارد العريس ومستقبل ابنتهم من الناحية الاقتصادية بينما يركز أهل العريس على جينات العروس (جمالها) وأخلاقها. (عدم قابلية ممارستها الجنس مع ذكور آخرين)
بالنسبة للذكر كيف يرى الذكر العلاقة مع الأنثى:
كما ذكرت سابقاً لديه استراتيجية تقول استثمر نطافك مع أكبر عدد ممكن من الإناث و ذلك لرخص هذا الاستثمار الجيني. لما لا؟ خمس دقائق قد تساهم في نشر جيناته عبر الجيل القادم دون أي استثمار يذكر. عندما يجد الذكر انثى مستعدة للممارسة الجنسية تصبح استراتيجيته كالاتي: استثمر جينياً مع هذه الأنثى لكن بسبب سهولة الاستثمار الجيني معها (سهولة الممارسة الجنسية) لا تستثمر مواردك لأن هذه الأنثى تعتبر غير مضمونة من ناحية الحصرية في الاستثمار. في حال الحمل لا يعرف الذكر أن الجنين جنينه لأن الممارسة الجنسية كانت سهلة نوعياً مع تلك الأنثى مما يعني عدم ضمان الذكر الحصرية في الاستثمار الجيني معها.
لهذا نجد الذكور مستعدين للممارسة الجنسية في أي وقت لكنهم غير مستعدين للاستثمار الأبوي (الزواج) إلا في حال كانت الأنثى لا تبدي سهولة في قبول العملية الجنسية.
بالنسبة للأنثى:
بسبب القيمة الغالية للإنجاب فيجب على الأنثى أن لا تستثمر بويضاتها مع الذكور الذين يبدون استعدادهم في صرف مواردهم مع أي انثى مستعدة للممارسة الجنسية. عليها اختيار الشريك الذي سيستثمر موارده ويعمل على رعاية أطفالها لسنين طويلة. على الأنثى أن توازن بين جذب الذكر وانتقائه دون الوصول للممارسة الجنسية إلا بعد استثمار الذكر كمية لا بأس بها من الموارد بحيث تجعل عملية انسحابه بعد الممارسة الجنسية عملية خاسرة اقتصادياً له (تذكر مثال الطيور وبناء العش). لهذا نجد في أغلب المجتمعات البدائية أخلاقياً أن تقييم فحولة الرجل هو على أساس عدد الإناث التي يستطيع الذكر اقامة علاقة معهن واعتبار رقي الأنثى متعلق بحشمتها ومدى رساخة استثمارها الأبوي اتجاه أطفالها.
تشريع وترسيخ الغرائز الذكرية ضمن القوانين الدينية:
– السماح بتعدد الزوجات للذكور
– فرض لباس معين على الإناث (حجاب)
– فصل الإناث عن الذكور و منع الاختلاط بينهما.
– المهر قبل الزواج لضامن استثمار الذكر قبل الممارسة الجنسية.
*المؤخر: نجد أن المؤخر (قيمة مالي تدفع في حالة الطلاق) مرتبط مباشرة بالممارسة الجنسية في حال تم الطلاق.
غيرة المرأة هي حالة غريزية تدفعها أن تعمل كل ما باستطاعتها على منع زوجها من أن يحب امرأة آخرى أو أن يبدي اهتماماً زائداً بأي موضوع قد يساهم في تبديد موارده. الأنثى تغار من أي شيء يشكل تهديداً على موارد زوجها التي يتوجب صرفها عليها وعلى أطفالها فقط.
غيرة الرجل تتجسد في أن تكون زوجته بعيدة عن أي علاقة فيزيائية مع ذكور آخرين لأن ذلك يشكل أفضل ضمان له أن جميع حالات الحمل هي له ولذلك نجد أن عذرية المرأة هي عامل مهم ومؤثر جداً في موضوع الزواج عند المجتمعات التي لا تحترم حقوق المرأة.
كيف نقرأ هذه الغيرة في العلاقات المثلية لدى الذكور؟
من أحد المشاكل التي يتعرض لها الأشخاص المثلين جنسياً (الذكور تحديداً) هي عدم الاستقرار العاطفي.
الذكور المثلين لديهم توجه جنسي يجعلهم ينجذبون لنفس جنسهم وهذا مفهوم من الناحية الجنسية الدماغية لكن يوجد مشكلة لا يتم التنويه إليها وهي تتعلق بالناحية العاطفية لدى المثلين الذكور وأعتقد أنه يجب تسليط الضوء عليها أكثر.
استراتجية ذكرية مع استراتجية ذكرية:
بالنسبة للذكور المثلين هم على الرغم من انجذابهم للذكور إلا أن الاستراتيجية الجنسية لديهم هي نفسها. هذا يعني أنه يوجد لدينا ذكور لديهم استراتيجية تقتضي الممارسة الجنسية مع أكبر عدد ممكن من الشركاء وذلك بهدف نشر الجينات بأكبر شكل ممكن بينما الاستراتيجية الدفاعية التي تعمل على ابعاد الشريك عن أي علاقات فيزيائية مع الأخرين. أغلب العلاقات المثلية بين الذكور تنهار بسبب الغيرة من تبادل الشركاء لأن الغيرة الذكورية مركزة على ابعاد الشريك عن أي شريك آخر لضمانة أن الأطفال هم أطفاله في الحالات المغايرة وفي الحالة المثلية فإن هذه الغريزة لا تزال تعمل لكن من قبل الطرفين مما يسبب عدم استقرار عاطفي لدى الجميع.
طبعاً هذا غير الضغوط الاجتماعية الأخرى الناتجة عن التمييز العنصري الموجه ضدهم في بعض المجتمعات المنغلقة. لهذا السبب نجد أن أكثر العلاقات العاطفية المثلية لا تتكلل بنجاح طويل الأمد. ربما فهم هذه الاستراتيجيات الجنسية وفهم آليات العمل المرتبطة بالعلاقات العاطفية المثلية قد يساعد في تجاوز بعض العقبات الناتجة عن الغيرة وبالتالي انهيار العلاقات.
في النهاية سأترككم مع هذا السؤال الذي تم طرحه علي في أحد النقاشات:
ماذا تفعل لو كنت تمشي بالشارع ورأيت بنتك او اختك او بنت عمك تسير مع رجل لا خطيبها ولا زوجها وتضع يدها في يده ؟
الذي سيحدث هو كالتالي:
سيستقبل دماغي اشارة بصرية تقول إن هذه الفتاة التي تضع يدها بيد ذكر غريب هي ابنتي.
سيتم تحليل هذه المعلومة و وضعها جانباً…
في نفس الوقت ستتحفز لدي غريزة تطورت خلال ٣٠٠ مليون سنة.
سيبدأ قسم اللوزة الدماغية Amygdala بتفعيل جهاز الإنذار بوجود خطر. لكن ما هو الخطر؟
هذا الخطر يعود لغريزة قديمة تضمن لي حماية نسلي عبر الأجيال. الفكرة أن الأحياء لديها استراتيجيات متنوعة لتحقيق عملية التكاثر وانجاحها وبما أن ابنتي هي صاحبة الاستثمار الجيني الأغلى وهي تحمل ٥٠٪ من جيناتي (بويضة مقابل حيوان منوي) فإن منظر ابنتي تمسك بيد ذكر آخر يفعل اليات دفاعية في سبيل حماية استثماراتي الجينية.
طبعاً أولاد ابنتي (احفادي) هم استثمار جيني بالنسبة لي لأنهم يحملون نسبة لابأس بها من حمضي النووي و بالتالي أنا معني بانتقاء ذكر مناسب يضمن رعاية أبوية لهم. كل هذا المضمون الغريزي يتم تفعيله عصبياً ضمن الجهاز العصبي ويتم افراز بعض هرمونات التستوستيرون والأدرنالين كنتيجة لتفعيل الغريزة.
فجاءة يأخذ القسم الأمامي من الدماغ زمام الأمور مرة آخرى ويقول للعقل الزاحف (القسم الأسفل من الدماغ) لا عليك… أنا من يتحكم بهذا الظرف.
يقوم قسم المحاكمة العقلية باستحضار تجارب سابقة وكل ما هو متوفر من معلومات حول ابنتي خصوصاً والإناث عموماً وحول ما أعرفه عن ردة الفعل الغريزية التي قد تُفعّل بسبب رؤيتي لابنتي مع ذكر آخر.
المعلومات التي تم استحضارها تقول إن ردة الفعل الغريزية هذه على الرغم من أنها مبررة تطورياً إلا أنها غير مقبولة اجتماعياً وبما أننا نعيش في مجتمع انساني متحضر فعلي أن أخذ زمام الأمور وأن أتصرف برقي وتحضّر يعكس العقد الاجتماعي الذي قطعته مع نفسي بأن أحترم ابنتي وأتعامل معها كبشر لديها نفس الحقوق ونفس مشاعر الحب التي يمتلكها الذكر ونفس الرغبة بأنشاء علاقة مع شخص تحبه.
طبعاً هذا كله يحدث في أقل من ثانية… يقوم قسم تحليل المخاطر بتقييم الشاب ومسح جيناته بشكل عام (طوله، لون شعره، لون بشرته، صفة أسنانه الخ…) فيتم قبول ميزاته الجنينة بشكل مبدئي.
الخطوة التالي هي التحكم بأفعالي بحيث لا أضع أبنتي بموقف محرج فأقوم بإلقاء التحية بشكل عابر وثم أؤجل أي رغبة لدي في التعرف على الشاب إلى أن تقوم ابنتي بهذا الأمر.
طبعاً أنا قمت بتعليم ابنتي الكثير من الأمور منذ طفولتها وعملت على بناء شخصيتها بشكل مستقل بحيث تكون قادرة على اتخاذ القرارات الصائبة بنفسها وتحمّل مسؤولية أخطائها. (الافتراض أن ابنتي ليست في سن الطفولة)