إحدى نتائج الإدراك وما ينتج عنه من أوهام هي إغفال حقيقتنا الحيوانية. نحن حيوانات استطاعت أن تدجن نفسها بنفسها فأوجدت قوانين تضبط علاقاتها بما يعزز ترابطها الجمعي لكي تبقى ضمن قطعان بشرية. لكن هذه القطعان البشرية نسيت أنها لا تختلف عن بقية الأحياء فالمشاعر من حزن وفرح ومتعة وسعادة ليست مشاعر حصرية على فصيل الثدييات من عائلة القرود العليا (أحد أنواع الإنسانيات).
جميع الأحياء تشعر ولديها أحاسيس لأن هذه المشاعر ليست ترتيلات سحرية وإنما كمياء حيوية ناتجة عن تفاعلات فيزيائية محددة ستنتج عنها نفس المشاعر في كل مرة. هذا يعني أن افتراضنا أن البقرة لا تحزن عندما نجردها من أطفالها أو الحمار لا يشعر بالألم عندما نضربه هو مجرد تجاهل مباشر لطبيعتنا الحيوانية التي تقول لنا أنهم يشعرون كما نشعر.
ثقافتنا البشرية مليئة بالقصص والرويات التي تتضمن تقاعلاتنا مع بقية شركائنا من الحيوانات فمثلاً نجد قصص الأطفال مليئة بحيوانات ناطقة تتفاعل بشكل يشبه التفاعل البشري لكن في الواقع هذه الحيوانات مثل الأسود والفهود والفيلة والذئاب وغيرها لم تعد موجودة في الطبيعة وشارفت على الإنقراض.
اليوم نجد أن كفة التنوع الحيوي تميل نحو الحيوانات المدجنة من قبل الإنسان مثل الأبقار والكلاب والقطط والخراف وغيرها ولم يعد لسيمبا أو شخصيات كليلة ودمنة مكان تعيش عليه.
قصص مثل ماوكلي وشريخان أو سيمبا والأسود أو ليلى والذئب موجودة فقط في كتبنا وشاشات التلفزة لأن هذه الحيوانات تنقرض بشكل سريع فمثلاً تعداد الذئاب في العالم لا يتجاوز ال٢٠٠ ألف بينما يوجد حوالي ٤٠٠ مليون كلب مدجن على الكرة الأرضية. أيضاً يوجد حوالي ٦٠٠ مليون قطة مقابل ٢٠ ألف أسد (قبل قرن كان تعداد الأسود حوالي ٢٠٠ ألف). الفيل معرض للانقراض في حلول عام ٢٠٢٠ والأسد الأفريقي معرض للانقراض في حلول عام ٢٠٥٠ وغيرها المئات من الحيوانات المعرضة للانقراض خلال هذا القرن.
الفكرة أننا نغير التنوع الحيوي على كوكب الأرض وقريباً سيكون المكان الوحيد للتنوع الحيوي هو حدائق الحيوانات. سيصبح كوكب الأرض مكان يعيش عليه الإنسان وبقية حيواناته المدجنة فقط. اليوم حوالي ٩٠٪ من الحيوانات الكبيرة (عدة كيلوغرامات) التي تعيش على كوكب الأرض هي إما إنسان أو حيوانات مدجنة من قبل الإنسان.
ضمن تاريخ الحياة على كوكب الأرض حدثت ٥ انقراضات شاملة قضت على أغلب الأحياء على كوكب الأرض:
الإنقراض الأول:
الانقراض الأوردوفيشي (Ordovician–Silurian extinction event) حصل قبل ٤٥٠ مليون سنة تقريباً سببه تغيرات مناخية و تسبب بانقراض كثر من٦٠٪ من اللافقاريات البحرية.
الإنقراض الثاني:
الانقراض الديفوني المتأخر (Late Devonian extinction) و الذي حصل قبل ٣٥٠ مليون سنة تقريباً و استغرق حوالي ٢٥ مليون سنة و لهذا من غير الواضح ما هي أسبابه المباشرة. هذا الإنقراض اثر على الحياة البحرية بشكل خاص و سبب انقراض ٧٥٪ من الأنواع.
الإنقراض الثالث:
انقراض العصر البرمي الترياسي (Permian–Triassic extinction event) و الذي حصل قبل ٢٥٠ مليون سنة و يعتبر أكبر حدث انقراض شهدته الحياة على كوكب الأرض إذ أنه تسبب بانقراض ٩٥٪ من الحياة البحرية و حوالي ٧٠٪ من الحياة الفقارية على اليابسة و ٥٧٪ من الحشرات.
الإنقراض الرابع:
انقراض الترياسي-الجوراسي (Triassic–Jurassic extinction event) و الذي حصل قبل ٢٠٠ مليون سنة تقريباً و تسبب باختفاء ٢٠٪ من الكائنات البحرية و الكثير الزواحف.
الإنقراض الخامس:
انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي (Cretaceous-Tertiary Extinction) أو ما يعرف بحدث انقراض الديناصورات و الذي حدث قبل ٦٥ مليون سنة تقريباً. هذا الحدث تسبب بانقراض أكثر من ٨٠٪ من الحياة على كوكب الأرض و نجى منه فقط بعض أنواع الطيور و الثدييات الصغيرة.
و اليوم نحن اليوم نعاصر الإنقراض السادس في تاريخ الحياة على كوكب الأرض.
هذه هي المرة الأولى التي يتسبب أحد الأحياء بانقراض شامل مثل الذي يحدث اليوم. عادة تكون الإنقراضات بسبب تغير مناخي أو كارثة طبيعية لكن اليوم الإنسان هو المحرك الأساسي لهذا الإنقراض.
بالعودة للمقدمة، نعم الحيوانات تشعر وتدرك وإغفالنا هذه الحقيقة هو مايجعلنا نتصرف بوحشية لا مثيل لها في عالم الحيوانات سوى لدى الإنسان. هذا الوهم بأننا لسنا حيوانات وأننا نتميز عن بقية الأحياء هو محرك هذا الإنقراض القائم اليوم.